hafid derradji

لا مجال للمقارنة بيننا وبينهم!

التحليلات الفنيّة السطحيّة والتعليقات الإعلاميّة والجماهيريّة الناقمة والمُنتقدة التي أعقبت مُشاركة العرب في أولمبياد باريس، صنعت الحدث منذ أيام، وكشفت عن تغليب مفضوح للمشاعر والعواطف على حساب المنطق والمعقول، بعيدًا عن المعايير الفنيّة والتقنيّة والعلميّة التي تستند إليها الأمم المُتطوّرة عند تقييم المُشاركات في المُنافسات والمُسابقات الدوليّة، حيث ركز البعض على عدد الميداليات الذي لم يتجاوز 17، من بينها ست ذهبيات، أربع منها من نصيب البحرين والجزائر، وتجاهل البعض الآخر الظروف الصعبة التي تتخبط فيها الرياضة العربيّة منذ فترة، رغم توفر المواهب والموارد الماليّة الكبيرة عند العديد من الدول.
البحرين على غير العادة احتلّت صدارة الدول العربيّة بأربع ميداليات، من بينها ذهبيتان، وفضية، وأخرى برونزية، جاءت بعدها الجزائر بذهبيتين وبرونزية، ثم مصر وتونس بثلاث ميداليات من مُختلِف المعادن لكل بلد، وبعدهما المغرب بذهبية وبرونزية، والأردن بفضية، وقطر ببرونزية معتز برشم، بينما حققت كرة القدم العربيّة أفضل نتيجة في تاريخ الألعاب بوصول مُنتخبين عربيين هما المغرب ومصر إلى نصف النهائي، وتتويج المغرب بالبرونزية، في حين كان الإخفاق جماعيًا في الرياضات الجماعيّة الأخرى، والرياضة النِسْويّة عمومًا، خاصة على مُستوى بُلدان شمال إفريقيا التي عوّدتنا على الأفضل رغم التتويجين الرائعين لكل من المُلاكمة إيمان خليف، ومواطنتها الجزائريّة كيليا نمور في الجمباز.
صحيح أن النتائج بالأرقام والميداليات كانت ضعيفة، لكنها ليست جديدة، وتعكس فعلًا واقع الرياضة العربيّة في جميع الرياضات منذ فترة، في ظل ارتفاع المستوى عند غيرنا من الأمم، وغياب استراتيجيات رياضيّة طويلة المدى تعتني بالمواهب والشباب والجمعيات والأندية والاتحادات والمرافق الرياضيّة، ونقص التعاون وتبادل التجارِب بين العرب فيما بينهم، وبين العرب وغيرهم من الأمم المُتطوّرة في العديد من الرياضات، مع تركيز اهتمام العديد من الحكومات على كرة القدم التي تُنفق عليها الأموال الطائلة، دون غيرها من الرياضات التي لا تجد ما تُغطي به رواتب المُدربين والرياضيين، وسط صمت إعلامي وتجاهل رسمي وشعبي يكتشف وجود رياضيين آخرين، ورياضات أخرى، بمُناسبة الألعاب الأولمبيّة، لقد بلغ الأمر ببعض الزملاء في الإعلام إلى وصف المُشاركة بالكارثيّة والفضيحة الكُبرى، وكأننا كنا نفوز بعشر ذهبيات و20 فضية و30 برونزية في ألعاب سابقة، علمًا أن الميداليات التي أحرزها العرب عبر التاريخ كانت في الرياضات الفرديّة، والقتاليّة بالخصوص، بفضل مجهودات رياضيين موهوبين في المُلاكمة، وألعاب القوى، والتايكواندو والمُصارعة ورفع الأثقال من طرف اتحادات بُلدان عربية فقيرة، لا تتوفر على أدنى الإمكانات الماديّة.
الولايات المُتحدة الأمريكية والصين واليابان وأستراليا وبريطانيا، تُسيطر على مُختلِف الرياضات منذ أكثر من قرن من الزمن، ولكي تنافسها يجب انتظار قرن آخر نستوعب فيه أن الرياضة ليست مُجرّد لعبة، ولا يمكن تطويرها ولا تقييمها بمعزلٍ عن مُختلِف المجالات الأخرى، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة والعلميّة والأخلاقيّة وووووو.

حفيظ دراجي

الراية 20 أوت 2024

حفيظ دراجي

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل