hafid derradji

جميلة ومثيرة تتويجاتنا ..

رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الرياضة الجزائرية منذ سنوات سواء على المستوى الفني أو التنظيمي والإداري ، إلا أن الجزائر تمكنت من احتلال المركز الأول عربيا والثاني افريقيا في سلم ترتيب الميداليات الأولمبية بذهبيتين وبرونزية واحدة وسط اثارة وتشويق وتجاوب جماهيري غير مسبوق خاصة بسبب ما أثير حول الجنسية المزدوجة للصغيرة كيليا نمور، وما أثير حول أنوثة الملاكمة ايمان خليف التي تحدت الملاكمات فوق الحلبة و السياسيين والرياضيين والمشاهير وكل أشكال التنمر والتحرش التي حدثت في وسائل الإعلام و منصات التواصل الاجتماعي ، وكذلك الضغوطات التي عاشها العداء جمال سجاتي بعد التسريبات التي تحدثت عن فتح تحقيق قضائي اثر تفتيش قوات الدرك الفرنسية لغرفته في القرية الأولمبية دون غيره من الرياضيين .

اختيار كيليا نمور الجنسية الرياضية الجزائرية وإصرارها على ذلك رغم محاولات الفرنسيين استرجاعها لم تروق البعيد والقريب رغم أنما ليست الرياضية الوحيدة التي فعلت ذلك، وقد سبقها رياضيون ولاعبون في كرة القدم بالخصوص ، لكن تتويجها فوق الأراضي الفرنسية وفي اختصاص بقي لحد الأن حكرا على الأوروبيين والأمريكان لم يتجرعه الكثير من الذين حاولوا تذكيرنا بأن البطلة من أم فرنسية ، ولدت وترعرعت وتكونت في فرنسا، لكنهم نسيوا بأنها من أب جزائري، وجدت في الجزائر ملاذا وسندا ورعاية لم تجدها في فرنسا التي منعتها من مواصلة ممارسة الجمباز بسبب اصابة تعرضت لها قبل سنتين، فاحتضنتها الجزائر ورافقتها ووفرت لها كل إمكانيات النجاح، ما جعلها تفتخر بجزائريتها.

البطولة والقوة والشهامة والشجاعة والصبر الذي تحلت به الملاكمة ايمان خليف طيلة أيام الأولمبياد صنعت الحدث أيضا في مواجهة حملات التنمر التي تعرضت لها وطالبت باقصائها من المشاركة مع السيدات بسبب الكروموزومات الذكورية التي تتوفر عليها، أو بسبب تحولها من رجل الى امرأة حسب تقدير  دونالد ترامب و ميلوني وايلون ماسك وغيرهم من المشاهير ورجال الأعلام الذين تهكموا على البطلة الجزائرية في كل المنابر بما في ذلك على مستوى مجلس الأمن ، وكادت أن تقع ضحية الصراع بين الاتحاد الدولي للملاكمة واللجنة الأولمبية الدولية، لكن قوتها الذهنية صنعت الفارق ، وجعلت من تتويجها أجمل وأقوى وأروع ، يمكن تصنيفه ضمن أجمل وأصعب ميداليات الأولمبياد عبر التاريخ.

أما ما تعرض له العداء الجزائري جمال سجاتي الفائز ببرونزية ال 800 متر قبل الأولمبياد وأثناءه وحتى بعده ، فقد جعل من برونزيته بمثابة ذهب ، حيث اتضح بأنه عاش ضغوطات نفسية كبيرة بسبب التفتيش الذي تعرض له المنزل الذي كان يقيم فيه قبل الأولمبياد ، و التفتيش الذي تعرضت غرفته في القرية الأولمبية دون غيره من الرياضيين ، وأجري عليه 16 فحصا للكشف عن تعاطي المنشطات في ظرف أربعين يوما، قبل أن تقود رسالة مجهولة أفراد الدرك الفرنسي الى فتح تحقيق لم تتضح تفاصيله لحد الأن، وهي كلها أمور تحملها العداء الجزائري وتحداها باحتلاله المركز الأول في الدور الأول ونصف النهائي ، والثالث في النهائي رغم التحرش الذي تعرض له، فأبان بدوره عن قوة ذهنية ونفسية خارقة زادته قوة وعزيمة واصرارا. 

صحيح أن تتويجات الجزائريين في أولمبياد باريس ليست معيارا لتقييم مستوى الرياضة الجزائرية التي تتخبط في مشاكل عديدة ، لكنها تحمل مؤشرات عن مقومات ومواهب كبيرة تتوفر عليها ، تقتضي التفكير في منظومة جديدة تسمح للرياضيين بتفجير طاقاتهم وقدراتهم ، وتفرض على السلطات المختصة حماية الرياضيين من كل المخاطر التي تحدق بهم في زمن صارت الرياضة سلاحا مهما لاثبات الذات و رفع المعنويات وتجنيد الجزائريين مع بعضهم وتقوية الشعور بالانتماء وهو الذي تجسد في اهتمام الجزائريين برياضات فردية لا يستوعبون حتى قوانينها ولوائحها ، لكنها صارت مصدر فخر واعتزاز بمناسبة أولمبياد باريس.

لكل ميدالية جزائرية في أولمبياد باريس حكاية، وكل حكاية أكثر اثارة من الأخرى، وكل ميدالية كانت أجمل من الأخرى، لكن يجب ان تكون جزائريا حتى تكتب التاريخ بالشكل الذي فعلته كيليا نمور و ايمان خليف، وفعله جمال سجاتي، دون أن ننسى المصارع الجزائري ادريس مسعود الذي فاز بشرف تجنب مواجهة مصارع اسرائيلي في الألعاب انسجاما مع موقفنا الثابت من القضية الفلسطينية.

حفيظ دراجي

الجزائر الأن 11 أغسطس

حفيظ دراجي

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل