hafid derradji

ليست مجرد ميدالية أولمبية!!

لى غرارِ تألّقِ المُلاكِمة الجزائرية إيمان خليف، رغم كل الضغوطِ التي عاشتْها والحملات الإعلامية التي تعرَّضت لها، جاء تتويجُ الجزائرية كيليا نمور بالذهب في رياضة الجمباز، بنفس التحدي والإصرار، ليصنع الحدث في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعيّ، ليس لأنه الأوَّل من نوعه للجزائريين والعرب والأفارقة في رياضة الجمباز، ولكن لأنه إنجازٌ جزائري تحقّق بفضل طفلة صغيرة مزدوجة الجنسيةِ، من أب جزائري، وأمّ فرنسية، وُلدت وكبرت في فرنسا، لكنَّها اختارت الجنسية الرياضية الجزائرية، وعمرها 17 سنة دون ضغط أو إكراه، بل بقناعة تامة لم تعجب الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية التي حاولت أن تنسب الإنجاز إلى فرنسا، مثلما تفعل كل مرة مع مزدوجي الجنسيةِ.

كيليا نمور كانت جمبازية فرنسية حتى إصابتِها قبل سنتين على مستوى الركبتَين، تخلى عنها الاتحاد الفرنسي للجمباز، ظنًا منه أن مشوارها الرياضي انتهى، قبل أن يتوجّه والدها نحو الاتحاد الجزائري والسلطات العمومية الجزائرية طلبًا للمساعدة، فكان له ذلك، وتمّ التكفل بها طبيًا من خلال إجراء عمليتَين جراحيتَين ناجحتَينِ، استعادت إثرهما الفرانكو- جزائرية عافيتَها ومستواها، وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة، فغيّرت بعد ذلك جنسيتَها الرياضيَّة، ردًا لجميل الجزائر، وشاركت مع المنتخب الجزائري في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، والألعاب الإفريقية وكأس العالم في الدوحة التي فازت فيها بذهبية كأس العالم، وبعدها بأشهر أحرزت الميداليةَ الذهبية لألعاب باريس الأولمبية.

قبل الأولمبياد عمل الاتحاد الفرنسي للجمباز المستحيل من أجل استرجاع كيليا نمور، وهو الذي رفض التكفّل بها، ورفض استمرارها مع المنتخب الفرنسي، بسبب إصابتها، لكن الصغيرة سنًا، والكبيرة نضجًا، رفضت رفضًا قاطعًا رغم الإغراءات، حيث وفرت لها الجزائر كل الإمكانات وسمحت لها بالتحضير في أعلى المستويات، والمشاركة في مختلِف البطولات والمسابقات، بشكل لم يتوفر لها مع فرنسا بشهادة مدربها الفرنسي مارك سيريلسانكو، الذي لم يتخلَّ عنها، ولم يعارض اختيارها تمثيل الجزائر، بل شجّعها مثلما فعل والدها الجزائري ووالدتها الفرنسية، التي وجدت في الجزائر ما لم تجده في بلدها فرنسا من رعاية واهتمام وتشجيع.

بعد تتويج كيليا نمور بالذهب الأولمبي راحت وسائل الإعلام الفرنسية كعادتها في مثل هذه المواقف تستثمر في الإنجاز وتعتبره فرنسيًا باعتبارها خريجة المدرسة الفرنسيةِ، وهو الأمر الذي لا ينكره إلا جاحدٌ على غرار الكثير من الرياضيين العرب والأفارقة، سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية، لكن لا أحدَ ينسى تنكر فرنسا للبطلة الأولمبية والتخلّي عنها في أصعب الظروف التي كانت فيها بحاجة إلى مرافقة ورعاية، ولا أحد ينسى تهكّم الرسميين والإعلاميين الفرنسيين على كل من يختار الجنسية الرياضية لبلده الأصلي، بحجة أنّ فرنسا هي صاحبة الفضل على الرياضيين مزدوجي الجنسية.

تتويج نمور بكأس العالم في قطر، وذهبية أولمبياد باريس كان صفعة قوية للجمباز الفرنسي ومسيريه قبل أن يكون إنجازًا تاريخيًا لابنة الجزائر والجمباز الجزائري والرياضية الجزائرية، زاده جمالًا تصريحُ اللاعبة بعد التتويج بقولها: «لن أعود لحمل ألوان فرنسا، مكاني الجزائر، وأنا فخورة وسعيدة جدًا بتمثيل ألوان بلدي».

حفيظ دراجي

جريدة الراية 06 أغسطس 2024

حفيظ دراجي

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل