hafid derradji

النصر والذهب هما ايمان خليف ..

بلوغ الملاكمة الجزائرية إيمان خليف نهائي أولمبياد باريس في وزن أقل من 66 كلغ، صنع الحدث مجددا في وسائل الإعلام العالمية بعد إقصائها التايلندية سوانا فانغ في ربع النهائي، وضمانها التتويج بالفضية على الأقل، وهي التي لم تعد ترضى سوى بالذهب لمحو كل آثار  العداء والعنصرية والتنمر الذي تعرضت له منذ بداية الألعاب بحجة عدم أحقيتها المشاركة في المنافسات الخاصة بالنساء لأنها تحمل كروموزوم ذكري حسب الاتحاد الدولي للملاكمة، في حين أكدت اللجنة الأولمبية الدولية على لسان رئيسها توماس باخ أن ايمان خليف ولدت أنثى، وما زالت أنثى، ومن حقها المشاركة في المنافسة الرياضية الخاصة بالاناث، وما يحدث هو تنمر وتهكم وعنصرية في ألعاب كان من المفروض أن تسودها المحبة والتسامح والسلام.
وبعد فوزها على الايطالية أنجيلا كاريني في ربع النهائي، أطاحت ايمان خليف بالتايلندية سوانا فانغ وتأهلت الى النهائي وسط حملة اعلامية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأولمبياد، شارك فيها الساسة والمشاهير والرياضيون، وكذا الاتحاد الدولي للملاكمة الذي عقد ندوة صحفية عشية منازلة ربع النهائي في محاولة للتأثير على معنويات ايمان خليف، لكن العكس هو الذي حدث، وظهرت الجزائرية بثقة عالية وتركيز كبير وفازت بالنقاط في حضور جماهيري غفير في مدرجات قاعة رولان غاروس، لتلتحق ببطلة العالم الصينية يانغ ليو في النهائي الذي سيشكل فصلا جديدا من رواية ترويها الأجيال القادمة عن ايمان الجزائرية التي تحلت بالايمان والقوة والعزيمة والاصرار والصبر وكل القيم الإنسانية.
لقد أريد لايمان خليف أن تكون ذكراً في نظر ترامب و جورجيا ميلوني وإيلون ماسك ومشاهير الفن والتمثيل والغناء وعديد المؤثرين والرياضيين، بإيعاز من جهات في الاتحاد الدولي للملاكمة منذ السنة الماضية، عندما تم اقصاؤها من المنازلة النهائية لبطولة العالم، لكنها اجتهدت وقاومت، وأكدت فعلا أنها أكثر من مجرد امرأة في التحمل والصبر، بعد أن وجدت في اللجنة الأولمبية سندا، وفي الجزائريين وأحرار العالم دعما غير مسبوق، فانقسم العالم بين مؤيد بقلمه ولسانه، وبين متنمر ومستفز خلف الاتحاد الدولي للملاكمة الذي شكك في أنوثتها بدون حجج، وأكد على لسان الرئيس السابق للجنة الطبية الدولية أنه “لا يعلم ان كانت ايمان خليف قد ولدت بنتا أم ولدا”.
قضية ايمان خليف خرجت عن نطاقها الرياضي بتدخل الاتحاد الدولي للملاكمة في منافسة تحت إشراف اللجنة الأولمبية الدولية التي لا تعترف به أصلا بسبب ممارساته و تجاوزاته المتراكمة، فكانت الملاكمة الجزائرية هي الضحية، وكانت هي الحدث، تحولت الى بطلة قبل الصعود الى منصة التتويج، وزادتها الحملة قوة واصرارا، تجعل منها ملهمة للأجيال الصاعدة في الملاكمة وكل الرياضات الفردية مهما كان لون الميدالية التي ستحرزها، خاصة بعد أن وجدت تجاوبا وتفاعلا وتضامنا جماهيريا واعلاميا في الجزائر وخارجها، وفي باريس ذاتها التي لم تعد مدرجات قاعاتها تسع الأعداد الكبيرة التي حضرت منازلتها وشجعتها على رفع التحدي.
ايمان خليف انتصرت قبل أن تتوج باحدى الميداليات في سابقة أولى في تاريخ الألعاب الأولمبية التي شهدت عبر التاريخ قصصا وروايات وأحداثاً رياضية وانسانية، لكن سيناريو قصة أولمبياد باريس فريدة من نوعها، تعاملت معها ايمان بهدوء ورزانة رغم الألم الذي كان بداخلها بسبب المساس بكرامتها وأنوثتها وانسانيتها التي تغلبت بقفازها على الحقد والكراهية داخل الحلبة، وخارجها بلسانها الذي كان رطبا ينطق بالعزة والكرامة والشرف الذي دافعت عنه بدون تهكم على أحد رغم معرفتها الجيدة بمن تسبب في متاعبها النفسية منذ أكثر من سنة، لكنها لم تذكر أحدا بسوء فكانت كبيرة بأخلاقها وروحها الرياضية.
مهما كانت نتيجة المنازلة النهائية اليوم الجمعة فإن ايمان ستصعد فوق منصة التتويج لتوشح بالذهب أو الفضة، بعد أن صعدت في سلم التقدير والاحترام في العالم بأسره، وليس فقط في الوسط الرياضي بعد أن تحولت الى قضية رأي عام، ومعركة بين الخير والشر، والحق والباطل فكان النصر ايمان خليف.

حفيظ دراجي

القدس العربي 07 أغسطس 2024

حفيظ دراجي

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل