بعد مباراة البرتغال وسلوفينيا في ثمن نهائي كأس أمم أوروبا، ركز البرتغاليون والسلوفينيون وعشاق الكرة في العالم على الاثارة التي ميزت المباراة وبراعة الحارسين يان أوبلاك وديوغو كوستا، وعدم قدرة البرتغاليين على اختراق دفاع السلوفينيين، وركزوا على الخطأ الذي ارتكبه المدافع بيبي وكاد يتسبب في اقصاء منتخب بلاده، مثلما كاد يكون رونالدو هو السبب بعد تضييعه ركلة الجزاء في الوقت الاضافي والتي جعلته يبكي أثناء المباراة مثل كل مرة، ويتعرض لانتقادات البرتغاليين على ما اعتبروه أنانية مفرطة، أما بعض عشاق رونالدو في عالمنا العربي فقد ركزوا على معلق المباراة لمجرد أنه توقع أن تصل المباراة الى ركلات الترجيح، وتوقع تأهل سلوفينيا، وتنبأ بتضييع رونالدو لركلة الجزاء التي ضيعها فعلا.
التفاعل مع دموع رونالدو مباشرة بعد تضييع ركلة الجزاء قبل أن تنتهي المباراة لم يعجب بعض عشاق رونالدو، رغم ما تحمله تلك الدموع من أنانية وحسرة ذاتية أكثر مما هي جماعية، كان يمكن أن تؤثر على معنويات الفريق خاصة وأن المباراة لم تنته، وكان عليه أن يستمر في تركيزه مثلما أجمعت عليه الصحافة البرتغالية، قبل أن يتحمل مسؤولياته ويتولى تنفيذ ركلة الجزاء الأولى في سلسلة ركلات الترجيح ويسجل، ويمنح بها قوة اضافية لبقية زملائه، مؤكدا على شخصيته القوية ورغبته الشديدة في قيادة منتخب بلاده الى ربع نهائي كاس أمم أوروبا، وهي صور ووقائع يمكن لأي معلق أو مشاهد أن يقرأها من وجهة نظره ويحللها على طريقته، خاصة بعد أن أكد أنها أخر بطولة أوروبية يشارك فيها مع منتخب بلاده.
لست هنا بصدد التبرير لأنه لا يوجد ما يمكن تبريره، ولو تكرر التعليق على نفس المباراة لما ترددت في توقع مصيرها والتكهن بنتيجتها والتنبؤ بتضييع رونالدو لركلة الجزاء، والتفاعل مع دموعه التي تسيل بسرعة كل مرة، من دون أي انقاص أو تقليل من شأن اللاعب الذي يبقى أحد أساطير اللعبة في تاريخ كرة القدم، وظاهرة مثيرة للتعليق، لكن التكهن بسيناريو المباراة أو نتيجتها بالنسبة للمعلق هو جزء من مهامه، والتعليق ليس مجرد وصف للمباراة، بل هو تفاعل وتجاوب ورسالة اعلامية وتربوية وتثقيفية وترفيهية، والتزام المعلق بالحيادية لا يمنعه من ابداء رأيه والتكهن بسيناريوهات المباراة، والتفاعل مع اخفاق ونجاح رونالدو عند تنفيذ ركلتي الجزاء، وتألق الحارسين يان أوبلاك ودييغو كوستا.
رونالدو واحد من أعظم اللاعبين في تاريخ اللعبة، ويصنف ضمن خانة كبارها برفقة بيليه ومارادونا ورونالدو البرازيلي وزيدان وميسي، والذين يتفوقون عليه بتتويجهم بكأس العالم، ويتفوق عليهم بألقابه مع أنديته وأرقامه التي يصعب تحطيمها، ولا يمكن لأي معلق أو متابع أن يقلل منها أو من انجازاته ومهاراته، لكن يبقى مع ذلك لاعب كرة، يسجل ويضيع، يفوز ويخسر، ينجح ويفشل، يمدح وينتقد حتى في بعض الأوساط البرتغالية التي تعتقد اليوم أنه كان عليه أن يرحل بعد اخفاقه في مونديال قطر، لكن تتويج ميسي بكأس العالم هو من دفعه للاستمرار بحثا عن اللقب الذي ينقصه، وهو الأمر الذي لا ينقص من قيمته، بل بالعكس يستحق عليه التقدير والاحترام اذا لم يكن له تأثير سلبي على زملائه.
جميل أن نحب ونشجع ونتحمس ونتأثر للفوز أو الخسارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنديتنا ومنتخباتنا، لكن غريب جدا أن يصل العشق لميسي أو رونالدو الى درجة التعصب في أوساط بعض الجماهير العربية التي تتحسس كثيرا من كل كلمة يقولها المذيع أو المعلق، وتعتقد أن الاعلامي المحترف يجب أن يحب ويكره مثلهم، ويجب أن يطبل لميسي أو رونالدو دوما، أو يقلل من شأنهما أحيانا.
حفيظ دراجي
القدس العربي 03 جويلية 2024