صنع المدرب الجديد للمنتخب الجزائري الصربي فلاديمير بيتكوفيتش الحدث في الأوساط الاعلامية والجماهيرية منذ الإعلان عن اسمه الى غاية الندوة الصحفية التي عقدها الاثنين الماضي ، حيث سادت مشاعر التفاؤل المختلطة بالتشاؤم قبل أن يباشر الرجل مهامه ، ونتعرف على قدراته ومدى تأقلمه مع الواقع الجزائري وخصوصية الكرة الافريقية التي لم يسبق للمدرب وأن تعامل معها من قبل، في انتظار معرفة رد فعل اللاعبين ومدى استجابتهم لخطاب مختلف عن ذلك الذي ألفوه، وربما نمط لعب مختلف أيضا، ومعرفة رد فعل جانب من الجماهير التي كانت ترغب في استمرار جمال بلماضي رغم إخفاقاته الثلاث المتتالية، والتي لن ترضى سوى بالفوز والأداء المتميز.
تفاصيل العقد الذي يمتد لأكثر من سنتين الى غاية جويلية 2026 ، مقابل راتب شهري يقارب 120 ألف يورو، والأهداف المسطرة التي تركزت حول ضرورة التأهل الى المونديال، وبلوغ الدور الثاني من نهائيات كأس أمم أفريقيا 2025 في المغرب، كانت محور نقاشات وتعاليق الكثير من المتتبعين الذين أعابوا على رئيس الاتحاد الاكتفاء بتسطير التأهل الى الدور الثاني ، في حين راح البعض الأخر يقارن بخروجنا في الدور الأول في الدورتين السابقتين، و يعتبر الأمر عاديا ، اذا لا يمكن في نظرهم مطالبة مدرب جديد ببلوغ نصف النهائي مع منتخب لم ينجح في اجتياز الدور الأول مرتين متتاليتين، و بتشكيلة عانت نفسيا من ضغوطات اعلامية وجماهيرية كبيرة، ولم تعد فنيا قادرة على صناعة الفارق.
المتفائلون بالمدرب الجديد اعتبروا التغيير ضروريا في المرحلة الحالية، والاختيار الذي وقع على بيتكوفيتش موفقا بالنظر لما هو متوفر اليوم في سوق المدربين، كما أن نجاحه مع المنتخب السويسري لسنوات يشفع للمدرب، ويعد بمشوار موفق، في انتظار حقيقة الميدان التي تخضع لمعطيات ذاتية وموضوعية يصعب التحكم فيها كلية ، ومع ذلك يسود التفاؤل بعض الأوساط بعد الندوة الصحفية التي عقدها بيتكوفيتش ، وكان فيها موفقا الى أبعد الحدود في شرح نظرته للأمور بكل تواضع وعقلانية واحترام تجاه الأسرة الاعلامية ، وتجاه المدرب السابق الذي ذكره بخير وأشاد بعمله ومجهوده على مدى سنوات، خاصة بعد تحقيقه انتصارين في تصفيات كأس العالم على الصومال وموزمبيق.
المتشائمون من الذين عارضوا رحيل جمال بلماضي يعتقدون أن المدرب الصربي لا يملك خبرة العمل في افريقيا، ولا يتقن الفرنسية ولا حتى الانجليزية لذلك سيجد صعوبة في التواصل مع اللاعبين بسرعة، ويحتاج الى وقت أطول للتأقلم مع الواقع الجزائري الصعب في نظرهم ، و واقع الكرة الافريقية في حين راح البعض يتحدث عن غيابه عن الميادين طيلة موسمين ، وربما عدم احساسه بما يشعر به الجمهور الجزائري من ألم وحسرة عندما يخسر المنتخب الجزائري ، رغم تأكيده على قدرته على تحمل الضغوطات، وتحمله لكل الانتقادات، التي من دونها لا يمكن تحسين المردود حسب رأيه، لكن يبقى التحفظ والتخوف مشروع أيضا في أوساط فنية واعلامية وجماهيرية تعتقد أن بيتروفيتش غير ملائم للخضر في الوقت الراهن.
بين هؤلاء وأولئك ، تبقى حقيقة الميدان هي الفاصل ، لكن سابق لأوانه الحكم على نجاح أو فشل المدرب الجديد من خلال خرجته في الندوة الصحفية ، أو مباراته الأولى بعد أسبوعين من الأن ، الا أن المأمورية ستكون صعبة على المدرب واللاعبين والاتحاد الجزائري صاحب الاختيار، تقتضي التفافا تاما حول المنتخب الذي لن يبدأ من الصفر، لأنه يملك مقومات فنية ومواهب كثيرة قادرة على إسعاد جماهير الكرة في الجزائر ، واعادة بعث المنتخب الأول، في انتظار ترتيب البيت الكروي الجزائري كلية سواء على مستوى المديرية الفنية والمنتخبات الشبانية و الأندية المحترفة ودوري المحترفين بكل تفاصيله وجزئياته، وعدم الاكتفاء بالتركيز على المنتخب الأول.
صحيح أن شخصية وقيمة ومستوى مدرب المنتخب الأول مهم جدا في اعادة البناء، لكن تجاوب كل الفاعلين معه لا يقل أهمية ، وتشجيعه ضروري، وانتقاده أيضا ضروري بعيدا عن اسمه وجنسيته ولغته، وحتى تاريخه ورصيده الذي لن يشفع له في وسط كروي جزائري مختلف، يفرض ضغوطات سلبية وايجابية، ويتحلى بالذاتية أحيانا، والموضوعية أحيانا أخرى ، لذلك يجب أن نجرب ونصبر وننتظر، واذا فشلنا نكرر المحاولة كل مرة حتى ننجح ، لأنه لا وجود لنجاح وتألق دائم ، ولا وجود لفشل واخفاق دائما في الكرة، بل هي فترات ومراحل يجب التعامل معها بحكمة.
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 8 مارس 2024