طوفان الأقصى وجرائم الاحتلال وتواطؤ الكثير من القادة العرب وصمت البعض الأخر ، لن يمر بسلام على بعض الأنظمة العربية التي ستتعرض دون شك لطوفان من نوع أخر تخوضه الشعوب العربية الحرة لاحقا لتغيير وضع بائس لايمكن استمراره، خاصة وأن إسرائيل ازدادت تعنتا وتطرفا واجراما واحتقارا للعرب كلما ازداد حجم التطبيع وتقرب منها الحكام العرب خوفا من أمريكا وطمعا في إطالة عمرها في السلطة، جاثمة على رقاب شعوبها التي ضاقت ذرعا من مظاهر الذل والهوان والانبطاح والظلم والفساد، والتضييق الذي تعانيه ، ويمنعها من نصرة أهلنا في غزة ولو بالتظاهر في الشوارع والدعاء في المساجد.
رغم ألاف الشهداء والمصابين والمفقودين ، وتحطيم المساكن والمساجد والمدارس، و كل البينة التحتية لمدينة غزة، فإن طوفان الأقصى حطم في السابع أكتوبر أسطورة اسرائيل التي لا تقهر ، والمقاومة الفلسطينية انتصرت أمام العالم سياسيا وعسكريا واعلاميا وإنسانيا وأخلاقيا عندما حطمت المنظومة الاستخباراتية للعدو، واسرت جنوده ، ثم أطلقت سراحهم بعد أن فشلت اسرائيل في تحريرهم وتكسير المقاومة بالقوة في غزوها البري الذي تكبدت فيه خسائر كبيرة لم يسبق لها مثيل في الحروب الأربعة الأولى على غزة التي يحاصرها القريب قبل الغريب، لكنها تخرج كل مرة من تحت الأنقاذ لتلقن العرب قبل الغرب دروسا في البطولة والرجولة والصبر والثبات.
المقاومة فرضت على الاحتلال هدنة ومفاوضات غير مباشرة لتبادل اطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين، فكان ذلك دليل انهزام وانكسار الكيان خاصة وأن أبرز مبادئ عقيدته أن لا تفاوض مع من يعتبرونهم ارهابيين، لكن سيضطرون للمطالبة بهدنة أخرى ترفضها المقاومة الفلسطينية إدراكا منها أن الموافقة على هدنة جديدة في هذه المرحلة ستكون في مصلحة إسرائيل وأي تفاوض تحت القصف الهمجي يعتبر انتصارا للعدو، مهما ارتفعت اعداد الشهداء والجرحى والخسائر ، و حتى ولو كان من الصعب على بعض المتخاذلين العرب استيعاب معاني التضحية من أجل تحرير الوطن لأنهم تعودوا على الاحتلال السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري الذي يعيشون فيه.
رغم تباين ميزان القوى فإن طوفان الأقصى حرك في نفوس الكثير من الشعوب العربية مشاعر النخوة والحسرة على قادتها وأنظمتها ، ويحرك فيها دون أدنى شك تلك النزعة نحو الانعتاق والحرية والديموقراطية في مواجهة دكتاتورية عصابات تحكمها وتهينها ، وتسرق أموالها لتسلمها الى أعدائها يقتلون بها أطفالنا ونساءنا ، لدرجة أن رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لم يتردد في الافصاح عن رغبة بعض الحكام العرب في الإسراع للقضاء على المقاومة حتى لا يسبب لهم حرجا مع شعوبهم، لكن الحرج وقع ، والأثر ظهر في الواقع وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت عن وعي كبير في أوساط شعوب لن تتأخر عن إنقاذ أوطانها من أنظمة أشد خطورة من العدو.
طوفان الأقصى حقق أهدافه ، والحرب في غزة بدأت وانتهت في السابع أكتوبر بانتصار الحق وانكسار الباطل، و باعتراف الإعلام العبري والغربي، أما معركة الشعوب العربية فهي قادمة لا محالة، وعندها ندرك أن المقاومة الفلسطينية لن تكتفي بتحرير أرضها من دنس الاحتلال، بل ستحرر الشعوب العربية من عقدة الخوف من طواغيتها، ويجرف طوفانها أنظمة عربية مطبعة و متواطئة وصامتة ، لن تجد من ينقذها لأن أمريكا التي تقود الحرب على غزة تحتقرها، وأمريكا سبق لها وأن أعلنت في أفغانستان أن طالبان لا يمكن أن تكون جزءا من المستقبل، لكن في نهاية المطاف كانت كلمة الفصل للميدان وهربت أمريكا وانتصر الأفغان.
كلما زادت الفجوة زادت سرعة الوصول نحو تحرير فلسطين وتحرير بلدان عربية كثيرة، وتكون ملحمة غزة أية لأهل الأرض، يتجاوز مفعولها كل التوقعات التي لم نكن نتصورها من قبل لتشمل أمة تحيا بالتضحيات التي تسقط الأقنعة وتكشف الوجوه على حقيقتها.
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 03 ديسمبر 2023