عاد الجدل في الأوساط الفنية والاعلامية والجماهيرية الفرنسية حول أسباب الرحيل المفاجئ بسبب الاصابة للمهاجم الدولي كريم بنزيمة عن المنتخب الفرنسي عشية مونديال قطر 2022 بعد التصريحات التي أدلى بها المدرب ديدييه ديشان لصحيفة “لوباريزيان” هذا الأسبوع، قال فيها أن بنزيمة “غادر المنتخب بقرار شخصي ولم نطلب منه الرحيل”، فرد عليه اللاعب بسخرية في حسابه على موقع “انستغرام” معلقا: “يالها من جرأة، أنت كاذب”، ما خلف ردود فعل كبيرة أعادت إلى الواجهة كل الروايات التي تم تداولها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتي وصفت ما حدث بالرحيل والترحيل والانسحاب والمغادرة والاستبعاد للاعب من طرف ديشان بتواطؤ مع رئيس الاتحاد الفرنسي وبعض اللاعبين وعلى رأسهم أوليفييه جيرو وهوغو لوريس.
ديشان قال في حواره أن بنزيمة أبلغه عدم قدرته على المشاركة بسبب اصابة في الفخذ، قائلا أنه التقاه في غرفته بالفندق لمدة عشرين دقيقة بعد التحاليل التي أجراها، وقال له يجب ألا نستعجل العودة الى فرنسا، لكن عندما استيقظ في صباح اليوم التالي علم أنه رحل فاحترم قراره على حد تعبيره، لكن بنزيمة لم يتحدث آنذاك حتى لا يتهم بالتشويش على رفقائه أثناء خوضهم مباريات كأس العالم، خاصة وأن النتائج المسجلة كانت في صالح ديشان الذي أسكت الجميع ببلوغه النهائي بدون بنزيمة للمرة الثانية على التوالي، وتمكن بعدها من تجديد عقده على رأس المنتخب رغم رحيل رئيس الاتحاد الفرنسي نويل لوغرايت، في وقت أعلن بنزيمة اعتزاله دوليا في اليوم التالي لنهائي كأس العالم الذي خسره المنتخب الفرنسي أمام الأرجنتين بركلات الترجيح.
وردا على تصريحات ديشان، سخر بنزيمة من رواية المدرب الفرنسي على حسابه في “انستغرام” متهما إياه بالكذب في المرة الأولى قبل أن يتوعد في تغريدة ثانية “بالرد قريبا” عن كواليس رحيله عن المنتخب والتي وصفها لمقربيه بعملية “استبعاد” انتقاما منه على مواقفه وتصريحاته السابقة طيلة سنوات العقوبة التي سلطت عليه وحرمته من التتويج بكأس العالم مع رفقائه سنة 2018، لأسباب قيل عنها أنها “عنصرية” تجاه لاعب لم يخف اعتزازه بأصوله الجزائرية في كل مناسبة، وكان دائما يمتنع عن ترديد النشيد الفرنسي قبيل مباريات المنتخب، ما جعله عرضة لحملات اعلامية، وأخرى سياسية من أحزاب وشخصيات يمينية متطرفة، ومن زملاء له في المنتخب ومدربه ديشان الذي وجد نفسه مضطرا لاعادة استدعائه للمنتخب سنة 2021 تحت ضغوطات جماهيرية بعد تألقه مع فريقه ريال مدريد، خاصة منذ رحيل رونالدو عن الملكي.
بغض النظر عن الصادق من الكاذب بين الرجلين، فإن تصريحات ديشان وتعليقات بنزيمة هي امتداد لعلاقة مشدودة لم تكن عادية بينهما منذ إبعاد اللاعب من المنتخب الفرنسي سنة 2015 لمدة 6 سنوات بسبب ضلوعه في فضيحة ابتزاز لزميله السابق ماتيو فالبوينا بشريط جنسي كلفه عقوبة السجن سنة مع وقف التنفيذ، فتم حرمانه من المشاركة في بطولة أوروبا للأمم سنة 2016 ومونديال روسيا 2018 قبل أن يعود بمناسبة يورو 2021، ما اعتبره بنزيمة آنذاك رضوخا لضغوط من جهات عنصرية في فرنسا زادت من حجم التذمر لديه وفي أوساط مزدوجي الجنسية من الأفارقة والعرب الذين توجه لهم أصابع الاتهام بالتقصير عند كل خسارة أو إخفاق للمنتخب الفرنسي، في حين يسلم ذوو الأصول الفرنسية من الانتقادات كل مرة.
بنزيمة الذي اعتزل اللعب مع المنتخب المنتخب في اليوم التالي لنهائي مونديال قطر، توج رغم ذلك بجائزة أفضل لاعب في العالم للسنة بعد تتويجاته الفردية والجماعية مع الريال وفوزه بلقب دوري الأمم الأوروبية مع منتخب فرنسا، بينما بلغ ديشان نهائي كأس العالم للمرة الثانية، وجدد عقده مع الاتحاد الفرنسي الى غاية مونديال 2026، في سيناريو مفترق طرق، يمهد لعودة الجدل بين الطرفين، كان يجب أن يحدث يوما لتصفية الحسابات، وبين رواية تتحدث عن رحيل، وأخرى تصف الذي حدث بالاستبعاد، ما يعني أن أحد الطرفين يثير السخرية ويكذب على الرأي العام!
حفيظ دراجي
القدس العربي 15 مارس 2023