hafid derradji

الهبة الجزائرية مستمرة !!

تفاعل الجزائريين في وسائط التواصل الاجتماعي هذه الأيام دفاعا عن بلدهم بتاريخه وتراثه وثقافاته وحاضره ومستقبله ، يثير المزيد من الاعتزاز بالوطن والافتخار بالأجيال الصاعدة من المثقفين والاعلاميين والمؤثرين والمواطنين العاديين ، مثلما تجسد في حملة الدفاع عن اللباس التقليدي “الحايك” الذي يتعرض للسطو والسرقة من جيران الغرب على غرار ما فعلوه مع أغنية الراي والماولوف والكسكسي والقفطان والزليج ، وحتى ذلك التراث الأصيل المسجل في اليونيسكو باسم الجزائر، لكنني أريد التوقف هنا عند الهبة الجزائرية في الأوساط الشعبية التي تعبر عن صحوة جماعية يتم التعبير عنها في وسائل التواصل الاجتماعي ، بعد أن أدركت حجم التضليل والتهكم الذي تتعرض له الجزائر لدرجة التشكيك في تاريخها وثورتها ، وحتى في وجودها قبل الاستقلال، رغم أن كتبهم التاريخية تتحدث عن علاقاتهم بدولة الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي..


صحيح أننا نتقاسم مع المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا والصحراء الغربية تراث مادي ومعنوي مشترك، و كثير من التقاليد والثقافات والعادات مع ، لكن كتب التاريخ والصور والفيديوهات الموثقة تثبت بأن “الحايك” لبسته نساء الجزائر قبل خمسة قرون ، وقلدها رجال فاس الذين حولوه إلى لباس رجالي سنة 1868 ميلادي ، ولم تقدر فرنسا الاستعمارية على طمسه على مدى 132 سنة من الاحتلال، ولا الجزائر المستقلة التخلي عنه كموروث ثقافي لنساء الغرب والشرق والوسط اللواتي حافظنا عليه بمختلف ألوانه وأشكاله ، لكن هذا لم يمنع انتشاره في كامل المنطقة المغاربية، وهو الأمر الذي لا يحرجنا ولايزعجنا بل يزيدنا فخرا أن ينتشر في شمال افريقيا ، فلم يسبق لنا وأن منعنا غيرنا من لبسه أو اعتباره جزءا من موروثهم الثقافي ، لكن عندما تتفشى السرقة والتضليل نضطر للتنوير وتصحيح التاريخ .


الأمر لم يتوقف عند السرقة والتزوير من طرف الجيران دون غيرهم ممن نتقاسم معه التاريخ والتراث والعادات والكفاح ضد الاستعمار ، بل تعداه الى درجة إنكار وجود الأمة الجزائرية قبل الاحتلال، انسجاما مع نظرية المستعمر الفرنسي الذي سوق الأكذوبة لتبرير احتلالهم لبلد قالوا بأنهم جاؤوا لأجل إلحاق سكانه بركب الحضارة والثقافة، التي تجسدت فعلا في قتل الملايين وتشريدهم وانتزاع أراضيهم ومحو هويتهم وثقافتهم واستغلال خيراتهم وثرواتهم، قبل أن يثور الشعب ويحرر وطنه بفضل تضحيات ملايين الشهداء ، في وقت لم تعرف الكثير من الشعوب معنى للثورة والتضحية والكفاح ، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد المحتل، ولم يسقط لها شهيد واحد، بل بالعكس عرف حكامها بخداعهم وخياناتهم المتكررة لدول المنطقة وللأمة العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية عبر محطات كثيرة يذكرها التاريخ .


قد يعتقد البعض أن الأمر لايقتضي ردا ولا دفاعا عن حقائق يعرفها الجزائريون والمغاربة، والقريب والبعيد ، ولا ينبغي الانسياق وراء التلويث والتلفيق والكذب الذي تمارسه مصانع الكذب ضد الجزائر والجزائريين في وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يبدو منظم ومؤطر، في تصاعد مستمر منذ أن قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية و غلق المجال الجوي ، لكن بالمقابل قد يبدو الصمت ضعفا أو خوفا، لذلك يجب الرد على الأقل على مخطط الاستفزاز الذي تحول الى عقدة مرضية اسمها تاريخ وتراث الجزائر و بطولات وأمجاد الجزائريين ، و حريتهم وكرامتهم وسيادتهم ولحمتهم التي صارت تزعج وتؤلم الكثير من السياسيين وصناع الرأي في المغرب بدعم اسرائيلي مفضوح ، وتواطؤ من يوصفون بمعارضين جزائريين تجاوزوا في حقدهم وغلهم كل الحدود بعد أن تم تجنيدهم للقيام بمهام قذرة .


الهبة الجزائرية لم تقتصر على الدفاع عن تاريخنا ورصيدنا وحضارتنا في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، بل تعداه هذه الأيام الى الدفاع عن وجودنا بكل الطرق السلمية والأخلاقية الممكنة، فجاءت دعوات الجزائريين في المهجر لتنظيم مسيرات في فرنسا بمناسبة عيد النصر 19 مارس التي تصادف ذكرى الإعلان عن توقيف القتال بين الجزائر وفرنسا ، تمهيدا لإعلان استقلال الجزائر، وهذا أيضا يعتبر شكل آخر من أشكال الوعي الفردي والجماعي بالمخاطر التي يشكلها من فضلوا التواطؤ ضد الجزائر، مع من اختاروا التحالف مع الصهاينة أعداء الدين والأمة، مما زادنا تماسكا ، ويزيدنا يقينا بأننا على صواب في دفاعنا على وطننا وشعبنا وأمتنا ، دون أن يقودنا الى التهكم على شعب نتعاطف معه ونحترمه أكثر مما يقدرنا ويحترمنا.


صدق من قال ” اللي شافوه قالوا انتاعنا، واللي سمعوا به قالوا نسالو فيه”، لكن حتى ولو سرقتم الحايك والبرنوس والكسكس والزليج والأغاني والموسيقى الجزائرية، و طعنتم في شرف أمهاتنا وتاريخ أمتنا وكرامة شعبنا بمنشوراتكم، فلن نرد عليكم بالمثل ، لكننا لن نترككم تسرقون حبة رمل أو قطرة ماء من أرضنا التي حررناها بالدموع والدماء وتضحيات الملايين من الجزائريين، ولن نسمح لكم بالمساس بشرفنا وكرامتنا واعتزازنا بوطننا وتاريخنا وثورتنا .

حفيظ دراجي

الجزائر الأن 12 مارس 2023

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل