hafid derradji

حراك قام ضد الاختطاف ، فكاد يختطف !!

تعود الذكرى الرابعة للثورة الشعبية السلمية البيضاء التي خاضها الشعب الجزائري في الثاني والعشرين من فبراير 2019 ، عندما خرج في حراكه بالملايين في المدن والقرى رافضا العهدة الخامسة لبوتفليقة، و منددا بالاختطاف الذي تعرضت له مؤسسات الدولة منذ تدهور الحالة الصحية للرئيس الراحل ، فكان الموعد شعبي و وطني، كل جمعة بطريقة سلمية فريدة من نوعها لم تسقط فيها قطرة دم واحدة ، بشكل فاجئ الجزائريين ذاتهم الذين أدركوا أنهم يتحلون بوعي كبير ومسؤولية أكبر في الحفاظ على بلدهم و وحدتهم وأمنهم واستقرارهم بغض النظر عن الأشخاص، لكن في كل مرة تعود الذكرى، يعود السؤال في الأوساط الشعبية والاعلامية والسياسية، هل نجح الحراك في تحقيق أهدافه ؟ وهل أنتهى أم لايزال يسكن القلوب والعقول والنفوس؟ بعد رحيل بوتفليقة وقائد أركان جيشه وسجن الكثير من رموزه ..

صحيح أن حراك المسيرات توقف التزاما بإجراءات الحظر والحجر التي أقرتها السلطات بسبب تفشي وباء كورونا ، لكن حراك النفوس والعقول والقلوب بقي حيا في نفوس الجزائريين إلى اليوم رغم محاولات اختطافه وتخوين نشطائه من طرف أطراف في السطة، و متطرفين ، منتقمين وحاقدين ، تصدروا المشهد وكادوا يستولون على حراك شعبي، قام حبا في الجزائر وليس حقدا عليها، ولا انتقاما من أحد رغم الضرر الذي لحق بالجزائر وكل أبناء الشعب لعقود طويلة ، فكاد يتحول إنقاذ الجزائر من الاختطاف المؤسساتي، الى اختطاف مافياوي من جهات أخرى لولا فطنة الشعب و وعيه ، والعقلاء في أوساط السلطة والنخبة بكل أطيافهم من الذين فوتوا على المغامرين فرصة المغامرة بمصير الأمة وسرقة نضال شعب يسعى للتغيير ، و يرفض التدمير.

في أيامه الأولى قبل أربع سنوات كان الحراك سلميا ، وشعبيا و وطنيا ، ولم يكن فئويا ولا جهويا ولا متطرفا في مطالبه وشعاراته ، لكنه لم يستمر بنفس الروح لدرجة انقسم بشأنه الجزائريون عندما شعروا بأنه يختطف من عصابة أخرى أخطر من العصابة التي كانت تحكم ، فتراجعت أعداد المشاركين في المسيرات، وانخفض الحماس نسبيا ، وعاد الأنقياء الى بيوتهم رغم وعيهم بأن حراكهم لم يحقق آنذاك كامل أهدافه في بناء دولة المؤسسات التي كان يحلم بها بعيدا عن كل تعصب وتطرف وتلاعب بمشاعر الشعب ، من خلال الالتفاف حول مشروع مجتمع يأخذ بعين الاعتبار الهموم الاقتصادية والاجتماعية والتحديات الأخلاقية وكل متطلبات الحداثة والعصرنة، بالموازاة مع تحديات أمنية وجيوسياسية محيطة ببلد يثير أطماع أطراف كثيرة.

بغض النظر عن منظور كل واحد فينا ومفهومه للحراك بعد أربع سنوات من عمره، وبغض النظر عن كيفية استغلاله سواء من طرف جهات في السلطة أو في أوساط بعض النخبة، وبعض الذين يحسبون على المعارضة، فإن لا أحد يمكنه أن يشكك في صدق نوايا الشعب وحراكه الذي كان ولايزال في نظره فكرة ومدرسة كرست الوحدة الوطنية والتفاف الشعب حول قيم ومبادئ ، أساسها الحب والسلم والوعي ، سواء اعتقدنا بأنه فشل أو نجح، وسواء اعتقدنا بأنه انتهى أو مايزال يسكن نفوسنا ، قد يستيقظ في أي وقت لحماية الوطن، لأن النجاح والفشل نسبي ، و لا يرتبط بزمن أو مكان معين خاصة عندما يتعلق الأمر بوطن وشعب وأمة تتحلى بوعي أكبر ممن يعتقدون بأنهم ضمير الأمة، و ناطقين باسم الشعب دون أن يفوضهم بذلك.

اذا ربطنا النجاح والفشل بالمكاسب والخسائر الملموسة، يمكن القول بأن الحراك نجح في منع العهدة الخامسة وترحيل وسجن بعض رموزه ، وفشل بالمقابل في الحفاظ على انسجامه و استمراريته ، وهنا لا أقصد بالضرورة استمرار المسيرات الشعبية التي توقفت لأسباب موضوعية بسبب تفشي وباء كورونا ، لكن أقصد استمرار التجنيد و الحرص على مرافقة الخير و النوايا الصادقة ، ومواجهة قوى الشر التي تكره وتحقد وتسعى للانتقام وتصفية حساباتها ، أما السلطة التي عبرت عن تقديرها للحراك من خلال دسترته فعليها أن تستثمر في تلك الروح التي سادت لأشهر ، وتستلهم منها لبعث روح جديدة ونفس جديد في منظومة حكم ، تستند على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، و تقديس الجهد و الكفاءة ومحاربة الجهل والرداءة ، وكل العوامل والأسباب التي قادت الشعب للخروج الى الشوارع في الثاني والعشرين من فبراير 2019 .

بين النجاح والفشل خيط رفيع ، وبين اختطاف الدولة واختطاف الحراك كان التشابه كبيرا ، كاد يعصف بفكرة نقية وحلم جميل يراودنا ويجمعنا كلنا دون استثناء ولا إقصاء ، الا لم أقصى نفسه وارتمى في احضان أعداء وطنه..

حفيظ دراجي

الجزائر الأن 20 فبراير 2023

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل