ما حققته قطر من بوابة الاستثمار في الرياضة منذ بداية الألفية، وفي تنظيم الأحداث الرياضية الجهوية والدولية المختلفة، أكد بما لا يدع أي مجال للشك الأهمية والقيمة والأثر في صناعة السمعة والتسويق للبلد، وتحقيق الفوائد المعنوية والمادية التي لا تقل قيمة ولا شأنا عن باقي الاستثمارات الاقتصادية والتجارية في الصناعة والفلاحة والثقافة والسياحة، بالموازاة مع الاهتمام برأس المال البشري في مجالات التربية والتعليم والتكوين والصحة خاصة في المنطقة العربية التي تتميز عن غيرها بخصوصيات طبيعية، وثقافية وفكرية فرضت عليها التوجه نحو الاستثمار في النشاط الرياضي، وهو الأمر الذي نجحت فيه وقطر، وحاولت أن تسلكه الإمارات والمغرب في وقت ما، وتسعى السعودية اليوم والجزائر نحو انتهاجه كسبيل لصناعة الفارق.
في قطر كل شيء بدأ بالاستثمار في الإنسان من خلال التأسيس لمنظومة صحية وتربوية حديثة تميزت بالتنوع والثراء والتفتح على كل الثقافات، بالموازاة مع تطوير المنظومة الإعلامية التي استهدفت النخبة من خلال تأسيس قناة الجزيرة الإخبارية منتصف التسعينيات، ثم استقطبت عامة الناس بفضل الجزيرة الرياضية، وانتقلت بعد ذلك الى الاهتمام بالنشاط الرياضي النخبوي الذي دفعها نحو تشييد المرافق الرياضية، التي سمحت لها بتنظيم أحداث رياضية كبرى فاق عددها 500 حدث جهوي وقاري ودولي، كان أخرها وأكبرها مونديال 2022، الذي سمح لقطر بأن تصبح على كل لسان، ودفعها لتشييد بنية تحتية ومرافق كثيرة على غرار المطار والميناء والمترو والطرقات السريعة، ومنشآت أخرى ثقافية وسياحية واجتماعية، واستكمال بناء البلد من كل الجوانب
المملكة السعودية بكل ثرواتها واقتصادها القوي في المنطقة استلهمت من التجربة القطرية وتوجهت بدورها في الفترة الأخيرة نحو الاستثمار في الرياضة بالموازاة مع الفن والثقافة من خلال النشاطات التي تقوم بها هيئة الترفيه، فوضعت نصب أعينها تنظيم مونديال 2030 الذي يسمح للبلد بتطوير البنية التحتية وتشييد المرافق الرياضية والسياحية والاجتماعية المختلفة، وهو الأمر الذي يمر العودة الى تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى على غرار كأس آسيا للأمم سنة 2027، ومن ثم استقطاب نجوم الكرة العالمية، فكانت البداية بضم رونالدو الى النصر، والسعي لانتداب نجوم أخرين يسوّقون للدوري السعودي، ويكسرون تلك الصورة النمطية الراسخة في أذهان الأجانب لحد الأن، حيث يدور الحديث حول ميسي، بنزيمة، راموس ولوكا مودريتش في البداية
قطار السعودية انطلق بقوة في مجالي الرياضة والثقافة والسياحة بإصدار تشريعات تسهل الشروط و الإجراءات على الراغبين في دخول المملكة السعودية، وإطلاق مشاريع ضخمة في بعض مناطق البلاد لاستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات في كل المجالات، لكن المجال الرياضي سيكون هو القاطرة التي تفتح الأبواب لتحقيق التحول المنشود الذي يرافقه تفتح إعلامي وثقافي، يستثمر في الإمكانيات المادية التي تتوفر عليها المملكة، و في الكفاءات المحلية والأجنبية على السواء، ويحافظ على المقومات
والقيم والعادات والتقاليد التي تحصن المجتمع السعودي من التداعيات السلبية المترتبة عن ذلك
الإمارات العربية حاولت في السابق الاستثمار في الرياضة قبل قطر، من خلال تنظيم بطولة كأس العالم للأندية وأحداث رياضية قارية وجهوية لكنها لم تواصل وفضلت التركيز على السياحة والخدمات والتجارة الالكترونية، وهو نفس الأمر الذي سعت إليه المغرب عندما حاولت تنظيم كأس العالم منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنها لم تنجح لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية أهمها نقص الموارد المالية رغم استثمارها في إنجاز المرافق الرياضية قبل قطر، ما سمح لها بتنظيم أحداث رياضية قارية ودولية على غرار كأس العالم للأندية الجارية هذه الأيام
الرياضة في العالم لم تعد مجرد نشاط ترفيهي، والاستثمار فيها مكلف، لكنه تحول الى مصدر ثروة يعود على البلدان العربية بفوائد متعددة تفتح آفاقا كبيرة، مكنت قطر من الارتقاء إلى مصاف الدول النامية والمتطورة فعلاً..
حفيظ دراجي مجلة السوبر 1
5 فبراير 2023