مباشرة بعد نهاية مباراة الجزائر السنغال البارحة بفوز مستحق للمنتخب السنغالي بلقب كأس أفريقيا للاعبين المحليين تذكرت مقولة المناضل الراحل نيلسون مانديلا بأنه “لا يخسر أبدا ، فاما أن يفوز أو يتعلم”، وهو الأمر الذي ينطبق على عناصر المنتخب الجزائري وطاقمه الفني والجماهير الجزائرية التي تعلمت البارحه درسا آخر في الكرة وفي الحياة، وعلمت أنها لم تخسر ، بل فازت باحترام وتقدير أبناء القارة السمراء بعد أن أخرجت البطولة من غرفة الإنعاش ، وبعثت فيها روحا جديدة، وأظهرت للعالم وجها جزائريا جديدا يتقن لعب الكرة وتنظيم البطولات وبناء المنشآت والمرافق ، وكشفت عن جماهير راقية متحضرة بشوشة ، شغوفة بالكرة ، محبة لوطنها، تدرك بأن الكرة فوز وخسارة ، وليست هزيمة أوانكسار مهما كانت مرارتها.
تشاء الصدف أن نتذكر مقولة الزعيم نيلسون مانديلا على ملعب أطلق عليه اسمه تقديرا لنضالاته وعلاقاته الوطيدة بجزائر الثورة والقيم والمبادئ، شهد البارحة حفل اختتام في مستوى بلد من حجم الجزائر، وسط حضور جماهيري قياسي متميز، فاق معدل حضوره للمباريات 30 ألف متفرج ، صنع أجواء رائعة طيلة أيام البطولة في كل المباريات، بما في ذلك تلك التي لم يكن فيها المنتخب الجزائري طرفا ، تحلى بروح رياضية مثالية ، خرج من الملعب في هدوء تام ، وعاد صباح اليوم لممارسة طقوسه وكأن شيئا لم يحدث ، وكله افتخار واعتزاز بنفسه ووطنه رغم الخسارة في النهائي بركلات الحظ التي لم تبتسم للخضر ، خاصة في الركلة الخامسة التي ضيعها هداف البطولة أيمن محيوس الذي لم يسبق له وأن ضيع ركلة جزاء واحدة في مشواره الكروي .
المنتخب الجزائري لم يكن البارحة في أفضل أحواله الفنية والذهنية، ولا في مستوى تطلعات جماهيره بسبب الضغوطات الاعلامية والجماهيرية التي كانت مفروضة عليه رغم مشواره الرائع في البطولة بتحقيقه لخمس انتصارات وتسجيله لتسعة أهداف دون أن يتلقى أي هدف، ودون أن يتعرض لأي خسارة في مبارياته الستة وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة في تاريخ البطولات المجمعة مع منتخب لم يخسر في مبارياته لكنه لم يتوج باللقب رغم توفره على كل مقومات التتويج الفنية والتقنية والبدنية، والدعم الجماهيري الكبير الذي رافقه ، وتوفر كل الظروف الملائمة للتتويج ، قبل أن يخسر ، بل يتعلم لاعبوه وطاقمه الفني دروسا جديدة تمكنه من الاستفادة منها مستقبلا ، و تستفيد منه الأجيال الصاعدة في الكرة وفي كل الرياضات .
السنغال من جهته كان رائعا في المباراة النهائية، لم يسرق التاج القاري، بل حققه بجدارة، بفضل مجموعة شبان تحلت بروح عالية وعناد كبير وشراسة في اللعب مكنتهم من تسيد اللقاء في أغلب فتراته رغم صغر أعمار لاعبيه الذين أكدوا صحوة الكرة السنغالية التي بلغت نهائي كأس أمم إفريقيا 2019، وفازت بلقب 2022 في الكاميرون، و تأهلت الى نهائيات كأس العالم في قطر ، و ارتقت الى مصاف البلدان الافريقية المحترمة في عالم الكرة ، تصنع الفرجة و تنافس على الألقاب والبطولات، على غرار أجيال أخرى لمنتخبات أفريقية وجدت في الجزائر كل الظروف التي تسمح لها بالتألق على غرار منتخب مدغشقر صاحب المركز الثالث في البطولة .
ما حدث البارحة كان من الناحية الفنية مجرد خسارة وليس هزيمة، ومن الناحية المعنوية لم يرقى الى درجة الانهزام، بقدر ما كان درسا جديدا في الكرة والحياة ، ارتقت من خلاله الجزائر إلى مصاف البلدان التي تصنع الحدث بشعبها و مرافقها وبنيتها التحتية وقدرتها على احتضان الأحداث الرياضية الكبرى ، بعد أن نصبت نفسها لاعبا أساسيا كان في الاحتياط لفترة طويلة رغم قدراته البشرية والطبيعية والمادية ، ورصيده التاريخي والحضاري والثقافي الذي مكنه من العودة إلى الواجهة في كل المجالات والاستفادة من كل التعثرات والتجارب والمحن والصعوبات ، ومواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية التي صارت تشكل حافزا وليس حاجزا أمام شعبنا الصابر الصامد و المقتنع بقدراته ، وبأنه “لن يخسر أبدا بل يفوز أو يتعلم”
حفيظ دراجي
الجزائر الأن 4 فبراير 2023