بعد قرابة شهر من تتويج الأرجنتين بكأس العالم 2022 في قطر على حساب حامل اللقب المنتخب الفرنسي، وفي وقت لا تزال فيه الجماهير الأرجنتينية منتشية بالفوز، تستذكر تلك اللحظات والصور الجميلة التي صنعها رفقاء ميسي في النهائي، اشتعل الجدل في الأوساط الإعلامية والجماهيرية بعد تصريحات الحارس الدولي الأرجنتيني السابق لسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي هوغو غاتي الذي صرح بأن “ميسي لم يكن صاحب الفضل في تتويج الأرجنتين بكأس العالم، وأن دور الحارس إيميليانو مارتينيز كان أهم من ميسي في النهائي بالخصوص”.
أثار التصريح موجة من ردود الفعل الغاضبة في الأوساط الفنية والجماهيرية التي تقدس ميسي وتضع ما فعله في مونديال قطر على نفس مرتبة دور الذي لعبه مارادونا في تتويج الأرجنتين بكأس العالم سنة 1986، وترى من يقول بغير ذلك مريضاً بالغيرة والحقد على الفتى المدلل.
هوغو غاتي الحارس الدولي السابق الذي يبلغ من العمر 66 سنة، كان احتياطياً في مونديال المكسيك الذي فازت به الأرجنتين سنة 1986، كان يلقب بـ”المجنون”. يشبه غاتي كثيراً الحارس الكولومبي هيغيتا بخرجاته وتصدياته وتصرفاته فوق الميادين، لا يزال يحمل الرقم القياسي في عدد المباريات التي لعبها في الدوري الأرجنتيني والتي بلغت 765 مباراة، وعدد التصديات لركلات الجزاء في الدوري بـ 26 ركلة.
بلغ به الجنون إلى حد انتقاد ميسي بعد التتويج بكأس العالم، والتقليل من دوره في الفريق رغم تسجيله 7 أهداف وصناعة 3 أهداف، وتتويجه بلقب أفضل لاعب في المونديال، مفضلاً عليه الحارس إيميليانو مارتينيز الذي تصدى لتسديدة المهاجم الفرنسي كولو مواني في اللحظات الأخيرة من النهائي، وتصدى لركلتي ترجيح لتتمكن الأرجنتين من الفوز باللقب.
الحارس السابق هوغو غاتي ذهب أبعد من ذلك عندما اعتبر أن مبابي كان أفضل من ميسي في مونديال قطر، ولو فازت فرنسا لتوج الفرنسي بلقب أفضل لاعب في المونديال لأن بصمته في منتخب الديكة كانت أكبر من بصمة ميسي الذي كان يمشي فوق الميدان في كل مباريات الأرجنتين عكس مبابي الذي سجل ثنائية لمنتخب فرنسا في العشر دقائق الأخيرة من النهائي وبعث المباراة من جديد.
وفي نظر “المجنون” كان أنخيل دي ماريا أفضل من ميسي من حيث المردود، وكان إيميليانو مارتينيز هو صانع الفارق والمنقذ للأرجنتين في اللحظات الأخيرة من المباراة وكذا في ركلات الترجيح، وأنقذ حتى ميسي الذي كان سيتعرض للانتقادات ويُنهي مشواره دون التتويج بكأس العالم الذي كان يحلم به منذ 2010، وخسره في نهائي 2014 في البرازيل، وكاد يضيعه في آخر مشواره لولا الحارس مارتينيز.
تصريحات الملقب بالمجنون أثارت جدلاً في الأوساط الكروية الأرجنتينية التي اعتبرت أن غاتي حاقد وحاسد يكره ميسي. وأنه كان حارساً ضعيفاً ومثالاً سيئاً لا يمكنه تقييم ميسي ولا حتى تقييم إيميليانو مارتينيز، ويكفي أن ميسي كان حاسماً في كل المباريات، سجل 6 أهداف، ولعب تحت ضغوطات إعلامية وجماهيرية كبيرة يصعب تحملها.
والكل يعترف بأنه كان صاحب الفضل الكبير دون نكران الدور الذي قام به الحارس إيميليانو مارتينيز، وخط الدفاع بقيادة أوتاميندي، ووسط الميدان المتكون من دي بول، ماك أليستر والمبدع أنزو فرنانديز، الذين كان لهم الفضل أيضاً في كل المباريات التي خاضتها الأرجنتين وليس فقط في المباراة النهائية، وبالتالي فإن التقليل من جهود المجموعة كلها واختزالها في شخصية الحارس هي جريمة ارتكبها غاتي في نظر الكثير.
الجريمة الأكبر حسب الكثير من وسائل الإعلام الأرجنتينية تتمثل في التقليل من دور ميسي وجهوده وفضله في التتويج كقائد ونجم ولاعب لا يزال يصنف ضمن الكبار رغم تقدمه في السن، ورغم وبروز جيل جديد من اللاعبين الشباب المتميزين الذين ينشطون في أفضل الأندية وأقوى الدوريات الأوروبية، ومع ذلك لا يزال يقارعهم ميسي ويتحداهم مع باريس سان جيرمان في دوري الأبطال الأوروبي، والأرجنتين في كأس العالم 2026 التي ينوي المشاركة فيها للدفاع عن تاجه وتحقيق ما لم يقدر عليه مارادونا الذي لم يتمكن من تكرار إنجاز 1986 في مونديال إيطاليا ، وخرج من الباب الضيق في الولايات المتحدة سنة 1994 بسبب فضيحة تعاطيه المنشطات.
الحارس إيميليانو مارتينيز كان متميزاً مثل ميسي وغيرهما من اللاعبين في كل مباريات الأرجنتين في مونديال قطر وليس فقط في النهائي، والحارس الدولي السابق غاتي، أراد أن يتميز عن غيره بإطلاق تصريحات مستفزة شكلاً ومضموناً، وحتى من حيث التوقيت حيث لا تزال فيه الجماهير ووسائل الإعلام منتشية بفرحة لم تحدث على مدى 36 عاماً منذ آخر تتويج في المكسيك سنة 1986.
أراد غاتي أن يفسدها “المجنون” بالتقليل من دور ميسي في الفوز بكأس العالم بعد أن صمت لمدة شهرين اعتقاداً منه أن تصريحاته ستجد صدى إيجابياً، لكنها لقيت انتقادات شديدة داخل الأرجنتين وخارجها، وحتى في أوساط اللاعبين المتوجين الذين يدركون تأثير ميسي عليهم فنيا ونفسياً داخل الميدان خارجه، ويقدرون دوره وأفضاله.
حفيظ دراجي
عربي بوست 23 يناير 2023