كأس العالم فيفا قطر 2022 حجبت الأنظار عن كل الأحداث العالمية الأخرى في كل المجالات، بما في ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي صارت حدثاً ثانوياً، وخطفت الأضواء من كل القضايا الأخرى المحلية والقارية والدولية لمدة شهر كامل، كانت فيه قطر قِبلة العالم، وكان فيه العالم ينظر إلى قطر بعين الإعجاب، وبكل التقدير والاحترام للجهد المبذول في تنظيم الحدث بشكل استثنائي، حرك في نفوس الغائبين عن العُرس مشاعر الغيرة والحسرة والأسف لأن منتخباتهم غابت عن محفل تاريخي كبير، على غرار مصر والجزائر وإيطاليا وكولومبيا، بكل رصيدها وجماهيرها وقدرات لاعبيها على صناعة الفارق في مونديال كان فيه تحقيق الإنجاز وارداً، خاصة بعد الخروج المبكر لألمانيا وبلجيكا والأوروغواي، ثم إسبانيا وإنجلترا والبرتغال.
في الجزائر، كما في مصر، مثلاً عاد الحديث عن إخفاق المنتخب الجزائري في بلوغ نهائيات كأس العالم في بلد حقق فيه كأس العرب فيفا 2021 قبل سنة، وكان يعوّل على مشاركة استثنائية في مونديال استثنائي، خاصة أنه كان من المرشحين الأوائل للتأهل، وكان مدربه جمال بلماضي يعد بالمنافسة على اللقب، وليس مجرد المشاركة؛ مما زاد من حجم الصدمة التي تضاعفت أثناء المونديال؛ ما أدى إلى عودة النقاش حول مسؤولية المدرب واللاعبين والاتحاد الجزائري في الإخفاق، وهل يجب تجديد الثقة في بلماضي، وكل اللاعبين، أم يجب البحث عن نفس جديد بعد نهاية مرحلة دامت أربع سنوات كُلّلت بلقب قاري سنة 2019، وانتهت بإخفاق مزدوج في نهائيات كأس أمم إفريقيا في الكاميرون، وتصفيات كأس العالم 2022.
طبعاً لست هنا لإعادة فتح جرح عميق بقدر ما أسعى إلى استشراف المستقبل؛ لأن كرة القدم لن تنتهي مع انتهاء مونديال قطر، والحياة يجب أن تستمر بحلوها ومرها، وأنا الذي صرحت بأن المدرب جمال بلماضي يتحمل جزءاً من مسؤولية إقصاء المنتخب الجزائري، مثلما كان له فضل كبير في تتويج الجزائر بكأس أمم إفريقيا سنة 2019، وفضل كبير في سلسلة المباريات من دون خسارة، والتي بلغت خمساً وثلاثين، وقلت إنني لو كنت مكان بلماضي لرحلت عن المنتخب بعد الإخفاق أمام الكاميرون، ليس لأن الرجل فاشل أو لا يستحق الاشراف على الخضر، لكن لأنه فشل، مثلما رحل عشرة مدربين عن تدريب منتخباتهم بعد مونديال قطر لأنهم فشلوا في تحقيق الأهداف التي جاءوا من أجلها، وهو الكلام الذي سأكرره لو سُئلت مرة ثانية عن مسؤولية الإخفاق، ويقوله أي عاقل، وقاله ضمنياً المدرب نفسه بعد الإقصاء.
بعد أن انتهى المونديال وهدأت الأعصاب، وزالت تأثيرات أجواء المونديال، أجد نفسي مصراً على رأيي وتقديري للأمور، وملحاً أكثر على ضرورة ضخ نفس جديد على المنتخب الجزائري تحسباً لكأس أمم إفريقيا المقررة بعد سنة، وتلك المقررة سنة 2025، إضافة إلى تصفيات كأس العالم 2026، والتي لا يمكن خوضها بنفس التركيبة الحالية التي بلغت نهاية مرحلتها، في زمن تشهد فيه الكرة الإفريقية تحولات كبيرة على جميع الأصعدة الفنية والتنظيمية والمادية والبشرية، وصارت تقتضي متطلبات لم تعد موجودة على مستوى الاتحاد الجزائري مثلاً، الذي يحتاج بدوره إلى نفس جديد يواجه به التحديات الداخلية، والخارجية المرتبطة بكواليس وتحالفات لها علاقة وطيدة بموازين القوى السياسية التي تتغير بدورها مع تغير المعطيات.
الاتحاد الجزائري لكرة القدم دخل من جهته رهاناً يبدو خاسراً منذ البداية بترشحه لاحتضان كأس أمم إفريقيا 2025، دون أن يأخذ بعين الاعتبار كل التحولات التي تشهدها خارطة كرة القدم الإفريقية، التي لم تعد حالياً في صالح الجزائر، ولن تسمح للجزائر بتنظيم البطولة سوى سنة 2029، بمدرب آخر وجيل آخر من اللاعبين، واتحاد آخر، وبمعطيات أخرى على كل المستويات، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تكون مختلفة دون شك؛ لأن سبع سنوات من الزمن تحمل الكثير من المستجدات التي لا يمكن التحكم فيها من الآن، لأنها تخضع لعوامل موضوعية لا علاقة لها بقدرات الجزائر لوحدها.
أما عندما نقول إن المنتخب الجزائري بحاجة إلى نفس جديد، فهذا لا يعني أن الأمر مرتبط بالأشخاص فقط، سواء كانوا إداريين أو مدربين أو لاعبين، بقدر ما له علاقة بالأفكار والاستراتيجيات والإمكانيات المادية التي يجب توفيرها لمواجهة تحديات لم تعد فنية فقط مرتبطة بقدرات المدرب ومهارات اللاعبين، بقدر ما هي مرتبطة بعوامل أخرى بعيدة عن الكرة تقتضي من الجزائر ومصر أن تهتم بها لضمان التواجد في المونديال كل مرة.
حفيظ دراجي
عربيكبوست 27 ديسمبر 2022