hafid derradji

جماهير الكرة في الجزائر ظاهرة فريدة!

الحضور الجماهيري القياسي لجماهير كرة القدم الجزائرية في مختلف الملاعب بمناسبة بطولة إفريقيا للاعبين المحليين المقامة في العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة، يثير الكثير من الاهتمام والانتباه وعلامات الاستفهام هذه الأيام، خاصة ما تعلق بذلك الإقبال على مباريات لم يكن فيها المنتخب الجزائري طرفا، حيث بلغ عددهم البارحة مثلا 50 ألف متفرج في ملعب عنابة بمناسبة مباراتي كوت ديفوار والكونغو، والسنغال وأوغندا، صنعوا أجواء خيالية على غير العادة في القارة السمراء وفي مباريات منتخبات الرديف، بغض النظر عن مباريات الجزائر التي صار يصعب على المشجعين اقتناء تذاكر الدخول نظرا للطلب المتزايد عليها، والذي بلغ حجما لم يسبق له مثيل في تاريخ البطولة ولا حتى في تاريخ بطولة كأس أمم أفريقيا التي يشارك فيها النجوم المحترفين.
صحيح أن كرة القدم العالمية في حد ذاتها ظاهرة، لكن الذي يحدث في الجزائر، أكثر من مجرد ظاهرة لأنه ينم عن شغف كبير باللعبة، وعشق أكبر للمنتخب، وحب لا يقارن للألوان الوطنية بلغ حد الجنون، رغم الاخفاق في نهائيات كأس أمم أفريقيا الماضية بالكاميرون، والفشل في التأهل إلى مونديال قطر الذي شكل صدمة وخيبة كبيرة في الأوساط الرياضية الجزائرية، التي لم يتراجع دعمها للمنتخب واللاعبين، وحتى دعم المدرب جمال بلماضي شكل بدوره استثناء في تاريخ كرة القدم الجزائرية، إذا لم يسبق لأي مدرب وطني منذ استقلال الجزائر أن حظي بمثل هذا الدعم الجماهيري والرسمي، وحتى الاعلامي، تقديرا للرجل الذي يعتبر في نظر الكثيرين الوحيد القادر على قيادة الخضر إلى منصة التتويجات مثلما فعل سنة 2019، عندما أشرف على المنتخب، وفاز معه بكأس أمم إفريقيا في ظرف ثمانية شهور.
إذا كان الارتباط بالمنتخب وتشجيعه في كل الأحوال بمثابة ظاهرة في الجزائر، فإن حضور مباريات المنتخبات الأخرى في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين بأعداد غير مسبوقة، لا يزال يثير التساؤلات وفضول المتابعين الذين يجمعون على أن الأمر لا علاقة له بعشقهم للكرة فقط، ولا بتعطشهم لمبارياتها، لكن هذه المرة جاء تعبيرا عن سعادتهم واعتزازهم وافتخارهم بالملاعب التي تم إنجازها وتهيئتها لاحتضان الحدث، ورغبة منهم في اكتشافها والاستمتاع بمرافقها المريحة والجميلة، حيث تم إعادة تهيئة ملعبي قسنطينة وعنابة، والانتهاء من أشغال ملعبي وهران وتيزي وزو، في انتظار استكمال انجاز ملعب الدويرة قريبا، وإطلاق الأشغال في ملعبي ورقلة وبشار جنوب الجزائر، ما يؤكد توجه الجزائر نحو الاستثمار في الرياضة ومرافقها للحصول على حق تنظيم كأس أمم أفريقيا 2025، وبالتالي توفير هياكل جديدة للممارسة الرياضية في الجزائر القارة.
الشغف والعشق والحب والاعتزاز بالمرافق ساهم في زيادة كثافة الحضور، وفي انجاح البطولة قبل نهايتها، كما أن حماسة التشجيع التي يتحلى بها الجمهور الجزائري صنعت الفارق وخطفت الأضواء، بما في ذلك عندما عبر عن عصبيته ونرفزته وغضبه على أسطورة الكرة الجزائرية رابح ماجر الذي تعرض لصافرات استهجان من جماهير ملعب “نيلسون مانديلا” في مواجهة الجزائر لمنتخب أثيوبيا، عند ظهوره على شاشة الملعب العملاقة بسبب تجربته الفاشلة كمدرب للمنتخب الجزائري، وهو الأمر الذي كان نقطة سوداء في المباراة والبطولة، استفزت الكثير من الجزائريين في وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه بالمقابل كان أسطورة كروية في زمانه، ومفخرة لكل الجزائريين في الثمانينات، لم يكن يستحق هذه المعاملة من جانب كبير من الجماهير التي يبدو أنها لم تشهد تلك الأفراح التي صنعها ماجر اللاعب.
الحضور الجزائري بسلبياته وايجابياته يبقى ظاهرة فريدة في الجزائر، تحتاج الى دراسة وتحليل وتأطير، باتجاه تهذيب السلوكيات وتحويلها الى عامل من عوامل الحب والاحترام للغير، والشغف بالعلم والفن والثقافة، وكل مجالات الحياة الأخرى لتبقى الكرة وسيلة ترفيه بالدرجة الأولى يمكن الاستثمار فيها لتنشئة الأجيال على حب الوطن وتقدير الجهد والرمز والقدوة واحترام الغير مهما كان.

حفيظ دراجي

القدس العربي 18 يناير 2023

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل