hafid derradji

هل أخطأت قطر؟

سؤال يُطرح بشدة هذه الأيام على السلطات القطرية واللجنة العليا للمشاريع والإرث، بعد تزايد حدة الانتقادات، بل الادعاءات والانتهاكات والافتراءات على قطر التي انتظرت وصبرت كثيراً قبل أن ترد سياسياً وإعلامياً وحتى شعبياً على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أيام من الموعد، مما أثار تساؤلات حول الصمت لسنوات، وهل كان خياراً موفقاً، ثم الرد، وهل كان ضرورياً أم متأخراً عن وقته في ظل حملات إعلامية حاقدة دامت سنوات، رسّخت في أذهان الناس بأن منح قطر حق تنظيم كأس العالم كان خطأ مثلما وصفه بلاتر، وكرّست أحكاماً ومفاهيم مغلوطة عن قطر والعرب والمسلمين، وحتمية فشلهم المرتقب في تنظيم كأس العالم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والعمال والمرأة ومجتمع الميم، وعدم الالتزام بالحفاظ على البيئة من التلوث رغم كل المجهودات المبذولة.


معروف عن قطر من زمان التزامها الصمت، وعدم الرد على كل الحملات التي تتعرض لها في كل المجالات، وليس فقط في ملف احتضانها لكأس العالم، حتى أن البعض اعتقد أن ردود السلطات القطرية ولجنة المشاريع والإرث ووسائل إعلامها على تصاعد حملات التشويش والتشكيك كان خطأ في التقدير بعد سنوات من الصمت، خاصة قبل أيام معدودة من الحدث، وكان عليها تركيز جهودها على آخر اللمسات والجزئيات والتفاصيل في تحضيراتها، وعدم الرد على افتراءات ليست وليدة اليوم، ولن تتوقف حتى أثناء المونديال، حيث يستمر تصيُّد الهفوات والثغرات، وكل تقصير أو سوء تقدير من لجنة التنظيم، أو من مسؤولية “الفيفا” التي تشرف بدورها على عديد الأمور التنظيمية، وتتحمل المسؤولية مناصفة مع لجنة المشاريع والإرث.

البعض الآخر من الملاحظين يعتقد أن صمت قطر بالأساس على مدى سنوات كان خطأ فادحاً ساهم في انتشار الأخبار الزائفة بشكل كبير، وترسيخ أفكار خاطئة حول قطر التي صارت في نظر بعض الأوروبيين بلداً نال ما لا يستحقه لأنه يقمع الحريات الفردية والجماعية، وينتهك حقوق العمال المشاركين في بناء المنشآت، حتى أن صحيفة الغارديان البريطانية رسّخت في أذهان الناس بأن عدد الوفيات بلغ ستة آلاف عامل، في حين لم يتجاوز ثلاثة عمال، وبأن غالبيتهم لم يتقاضوا رواتبهم ويعيشون في ظروف مأساوية، رغم توفير قطر مجمعات سكنية خاصة بهم، والتزامها بضمان نظام خاص لحماية أجور العمال الوافدين، وصندوق لضمان تأمين العمال في حالة الحوادث أو عدم التزام الشركات بدفع رواتب العمال.


من جهة أخرى، يعتقد كثير من القطريين أن قطر تأخرت في الرد على حملة مسيئة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، ولا يمكن تحملها والسكوت عنها، وكان عليها أن تنتهج سياسة إعلامية أكثر جرأة منذ البداية، ولا تنتظر حتى تصاعدت حدّة الحملة في الأيام الأخيرة، خاصة منذ دخلت على الخط حكومات ومنظمات وجهات غربية وعربية مشبوهة موّلت بعض الحملات، وقامت على مدى سنوات بمحاولة ابتزاز قطر من أجل الحصول على مشاريع مرتبطة بالمونديال، أو مزايا أخرى في مجالات مختلفة بعد المونديال، لذلك مارست الكذب على راحتها، دون أدنى تفنيد أو تكذيب، حتى من “الفيفا” التي تأخرت بدورها في الدفاع عن بطولتها والتدخل لحثّ الجميع على الاهتمام بكرة القدم، رغم أنها معنية مثل قطر وأكثر بكل الاتهامات والافتراءات التي دامت أكثر من عشر سنوات.


بين المؤيدين والمعارضين لمواصلة الصمت أو الرد بالمثل على الأكاذيب، لم يسلم القطريون من بعض بني جلدتهم العرب الذين انخرطوا في الحملة، وراحوا يُصوّرون تشغيل رحلات مؤقتة بين “تل أبيب” والدوحة طوال فترة كأس العالم، تتيح للمشجعين “الإسرائيليين” والفلسطينيين حضور المونديال على أنه تطبيع، علماً أن كل بلد مُنظّم لكأس العالم ملزم باحترام سياسات “الفيفا” ومتطلبات الاستضافة التي تسمح لكل حاملي التذاكر عبر العالم بدخول قطر، بما في ذلك الفلسطينيين الذين يستفيدون من هذا الإجراء بما يسمح لـ8 آلاف فلسطيني بالسفر إلى الدوحة عبر الطيران القبرصي وليس “الإسرائيلي”، كما اشترطته قطر التي أكدت أن موقفها من التطبيع لم يتغيّر ولا يزال مرتبطاً بحل القضية الفلسطينية في إطار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأي تصعيد في القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى إلغاء الاتفاق مع “الفيفا”، بما في ذلك إيقاف الرحلات المباشرة المؤقتة.
مهما اختلفت الآراء بشأن الرد من عدمه على كل الأكاذيب، فقد حان الوقت لكي تُركّز قطر على جهودها من أجل انجاح التنظيم، مثلما فعلت على مدى سنوات مع الأحداث الرياضية العالمية التي استضافتها باقتدار دون تهريج أو تقصير.

حفيظ دراجي

سوبر وان 17 نوفمبر 2022

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل