يبدو أن مرحلة ما بعد مونديال قطر فيفا 2022 بدأت رياضياً من خلال قرار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم اختيار قطر لتنظيم نهائيات كأس آسيا 2023، كأول بلد يتحصّل على ذلك للمرة الثالثة بعد دورتي 1989 و2011، تكريساً لثقة مطلقة من الهيئات الرياضية القارية والدولية التي منحت قطر فرصة تنظيم أكثر من 500 حدث رياضي منذ 2010، في انتظار الحلم الأكبر للقطريين بتنظيم أولمبياد 2032، بعد أن تحققت أحلام كثيرة منذ 2010، تاريخ فوزهم بتنظيم مونديال 2022، تمثلت بصناعة اسم بين الكبار، وكسب ثقتهم، وتشييد بلدهم رغم التكلفة العالية التي أنفقتها الدولة لأجل تشييد بنية تحتية عصرية، وبناء ملاعب وميناء ومطار وطرقات ومترو أنفاق وفنادق، ومدن جديدة بمرافق عصرية تسمح باحتضان تظاهرات رياضية، وثقافية وفنية وتحويل البلد إلى وجهة سياحية واقتصادية وتجارية كبيرة.
قطر قدّمت ترشحها لاحتضان كأس آسيا 2027 برفقة السعودية والهند، لكن بعد اعتذار الصين عن عدم تنظيم نسخة 2023 بسبب استمرارها في سياسة الحد من انتشار جائحة كوفيد 19، جاء اختيارها بالأغلبية على حساب كوريا الجنوبية وإندونيسيا، ما يدعم حظوظ السعودية لاحتضان فعاليات النسخة الموالية، ويكرس الثقة التي تحظى بها قطر لدى الهيئات الرياضية القارية والدولية، ويرشحها بقوة لاحتضان أولمبياد 2032، وكذلك أحداث رياضية أخرى قادمة بفضل البنية التحتية التي صارت تتمتع بها، وخبرة أبنائها وتجربتهم في مجال التنظيم، في زمن تعاني فيه عديد الدول متاعب اقتصادية ومالية، وتجد الكثير من الهيئات الرياضية الدولية متاعب في إيجاد بلدان تستجيب لشروط التنظيم وتتمتع بالاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي الذي يضمن نجاح البطولات الرياضية.
بعد أن استضافت قطر بنجاح بطولة كأس العرب فيفا 2021، وأنهت استعداداتها لاستضافة المونديال، واستقبال ملايين الجماهير بمنتخباتهم، صارت قبلة لكل الهيئات الرياضية التي تسعى لتظفر بشرف تنظيم بطولاتها في الدوحة التي لم تعد بحاجة إلى وضع حجر إضافي واحد، أو تشييد مرفق آخر على مدى عشرين سنة قادمة، ولا إلى تقديم طلباتها وملفاتها، بعد أن انتهت من بناء البلد بفضل كأس العالم، ما يفسح المجال مستقبلاً أمام قطر لتنظيم أحداث رياضية، وفعاليات اقتصادية وفنية وثقافية وتجارية، وبالتالي استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار في الموارد البشرية القطرية ومزيد من الرفاهية، والتنمية المستدامة مع التركيز على السياحة والخدمات مستقبلاً، بالموازاة مع الاستمرار في لعب دور أساسي في المجال الرياضي والظفر بأي حدث تريد تنظيمه مهما كان حجمه، حتى ولو كان الألعاب الأولمبية الصيفية.
اختيار الدوحة لاحتضان كأس أسيا 2023 قبل شهر واحد من مونديال 2022، يشكل انتصاراً آخر لقطر التي حصلت في ديسمبر من سنة 2020 على حق تنظيم دورة الألعاب الأسيوية 2030، للمرة الثانية، بعد أن استضافت نسخة 2006، واستضافت عام 1995 كأس العالم للشباب لكرة القدم، ودورة الألعاب العربية في 2011، ومونديال كرة اليد سنة 2015، تبعته في العام ذاته بطولة العالم في الملاكمة، وبطولة العالم للسباحة سنة 2018، ثم بطولة العالم لألعاب القوى 2019، وهي مقبلة على تنظيم بطولات قارية ودولية أخرى، أبرزها بطولة العالم للجودو العام المقبل وبطولة العالم للألعاب المائية 2024، فهل من مزيد؟
الموعد الكبير سيكون بعد عشر سنوات مع أولمبياد 2032، وحلم آخر كان إلى وقت قريب يوصف بالوهم، في أوساط أجنبية، وخاصة أوروبية، لا تزال تمارس التشويه والتشويش من طريق أبواق إعلامية ورياضية عنصرية، تعيش صدمة هذه الأيام من هول ما تسمع وتشاهد عن البلد الصغير الذي دخل لاعباً أساسياً إلى ملعب الكبار دون عقدة.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 17 أكتوبر 2022