حفاظاً على مشاعر جماهير كرة القدم في الجزائر، لم أتحدث طيلة الفترة الماضية عن الشكوى التي تقدم بها الاتحاد الجزائري إلى “فيفا” بسبب الظلم التحكيمي الذي تعرض له المنتخب الجزائري في لقائه الفاصل أمام الكاميرون تجنباً للمزايدات وبيع الأوهام.
لكن مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع لجنة الانضباط في “فيفا” لدراسة الملف في 21 من الشهر الحالي، ارتأيت أن أخوض مع الخائضين، لكن بتحفظ كبير تجنباً لصدمة أخرى تصيب عشاق الكرة في الجزائر الذين يتمسكون بأمل ضعيف في إعادة المباراة دون معرفة حيثيات وتفاصيل الشكوى، علماً أن الأمر يتعلق بأخطاء تحكيمية فادحة لا يمكن أن تكون سبباً في إعادة النظر في نتيجة المباراة إلا إذا ثبتت تهمة تلقي الحكم غاساما الرشاوى أو ارتكابه أخطاء فنية وليس تحكيمية أثرت على نتيجة المباراة، لكن غياب المعطيات فسح المجال أمام الإشاعات والتأويلات. والمؤكد أن الحكم الغامبي، باكاري غاساما، ذبح المنتخب الجزائري بتحيزه المفضوح وأخطائه العديدة في المباراة، والشكوك حول نزاهته تبقى كبيرة بعد كل الذي أثير حول اتصالاته ولقاءاته وتنقلاته المشبوهة واختياره لإدارة مباراتي الكاميرون ضد مصر في كأس أمم أفريقيا وأمام الجزائر.
صحيح أن إقصاء الجزائر كان مراً، لكن الاستمرار في بيع الوهم أكثر مرارة، لذلك على الجزائريين التفكير في إصلاح ما يجب إصلاحه دون تكسير كل الأشياء الجميلة ،لكنه لم يكن مع ذلك السبب الوحيد في خسارة المنتخب الجزائري الذي كان قريباً من المونديال قبل ثوان من نهاية الوقت الإضافي قبل أن يسجل المنتخب الكاميروني هدفه الثاني بسبب تهاون كبير من بعض اللاعبين الجزائريين وافتقادهم التركيز في اللحظات الأخيرة، وبسبب بعض الخيارات التي لم تكن صائبة للمدرب جمال بلماضي، الذي يتحمل بدوره جانباً من المسؤولية في الإخفاق المزدوج في نهائيات كأس أمم أفريقيا في الكاميرون والمباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم، على غرار جانب آخر من المسؤولية التي يتحملها الاتحاد الجزائري الذي خسر معترك كواليس اللعبة وتفاصيلها الصغيرة التي تصنع الفارق عادة.
الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها الجماهير الجزائرية جعلتها تتشبث بأمل ضعيف جداً لإعادة المباراة بقرار من لجنة الانضباط للاتحاد الدولي الخميس المقبل وهو الأمر الذي يبقى مستبعداً جداً، بل مستحيلاً في نظر البعض الآخر في ظل التسريبات المتعلقة بمضمون الشكوى التي تقدم بها الاتحاد الجزائري، والتي لا تحتوي على أدلة ملموسة تدين الحكم بتلقيه رشاوى، ولا تحتوي أخطاء فنية وتقنية فادحة تقتضي إعادة المباراة. وما يُثار حول الهفوات التي ارتكبها الحكم غاساما تبقى مجرد أخطاء تقديرية طبقاً لقوانين الكرة تحدث في كل المباريات ولا تقتضي إعادة النظر في نتيجة اللقاء، بل تتطلب من الجزائريين إعادة النظر في مقاربتهم ونظرتهم للكرة الجزائرية والمنتخب والمدرب والاتحادية والإعلام الرياضي وكل من له علاقة برياضة لم تعد مجرد لعبة على الأقل بالنسبة إلينا.
كل المعطيات تُشير إلى أن أمر التأهل إلى مونديال قطر حسم، إلا إذا حدثت معجزة تبقى مستبعدة إلى حد كبير في غياب أدلة تثبت تلقي الحكم غاساما رشى كما من الجانب الكاميروني أو أطراف أخرى متواطئة مع صامويل إيتو ضد الجزائر. وهو الأمر الذي لا ريب فيه لكن يصعب إثباته بالدليل، مما يفرض على الجزائريين تجرع الإقصاء والتفكير في مستقبل المنتخب الجزائري الذي سيكون على موعد مع بداية تصفيات كأس أمم أفريقيا 2023، في بداية يونيو المقبل، في ظل غموض يكتنف مستقبل المدرب جمال بلماضي، ومصير الاتحاد الجزائري بعد استقالة المكتب الفيدرالي، مما يقتضي جهودا كبيرة لتجاوز مرحلة صعبة كان لا بد منها لإعادة النظر في بعض الأمور التي غطت عليها سلسلة المباريات من دون خسارة، وعرتها المشاركة التعيسة في نهائيات كأس أمم أفريقيا الأخيرة والإقصاء من مونديال قطر.
صحيح أن إقصاء الجزائر كان مراً، لكن الاستمرار في بيع الوهم أكثر مرارة، لذلك على الجزائريين التفكير في إصلاح ما يجب إصلاحه دون تكسير كل الأشياء الجميلة التي حدثت على مدى أكثر من ثلاث سنوات.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 16 أبريل 2022