كل الأنظار كانت موجهة إلى مدينة دوالا الكاميرونية للوقوف على رد فعل اللاعبين الجزائريين بعد خيبتهم الكبيرة في نهائيات كأس أمم أفريقيا التي خرجوا منها في الدور الأول بنقطة واحدة وهدف وحيد من خسارتين وتعادل واحد، فجاء الجواب واضحاً وصريحاً بأن الذي حدث قبل شهرين كان مجرد تعثر خدمهم البارحة في اللقاء الأول من المواجهة الفاصلة مع منتخب كاميروني محترم لم يسبق له أن خسر في مباراة رسمية على ميدانه منذ عام 1998.
ولم يسبق للجزائر أن تفوقت عليه عبر التاريخ، لكن تشاء الصدف أن يحدث ذلك على الملعب نفسه الذي تكسرت فيه سلسلة 35 مباراة للمنتخب الجزائري دون خسارة، وبأداء دفاعي بطولي لافت بهدف ثمين سجله الهداف التاريخي للمنتخب الجزائري إسلام سليماني الذي حطم الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجلة في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم بسبعة عشر هدفاً من أصل 40 هدفاً سجلها مع المنتخب الجزائري.
بفوزه على الكاميرون على ذات الملعب الذي سقط فيه في نهائيات كأس أمم أفريقيا، كسر المنتخب الجزائري عقدة الكاميرون في مواجهة رسمية، وفتح الأبواب أمام تأهل خامس إلى المونديال من أجل اللعب في ملاعب قطر التي شهدت تتويجه بلقب كأس العرب للمرة الأولى في التاريخ. وعليه، سيشكل غيابه عنها نهاية فترة زاهية لجيل متميز، وربما سبباً لرحيل مبكر لمدربه جمال بلماضي الذي أعاد إليه الروح، ونال معه بطولة كأس أمم أفريقيا في أصعب الظروف. ليعود ويُعيد إليه الأمل للتأهل إلى نهائيات كأس العالم، ويسكت كل الأفواه التي شككت في عناصر المنتخب وقدرات المدرب على تدارك الأمور في وقت قصير، رغم الضغوطات الإعلامية والجماهيرية الكبيرة والانتقادات الشديدة التي تعرض لها المدرب واللاعبون الذين تحولوا البارحة إلى وحوش استعادوا شراستهم فوق الميدان.
جمال بلماضي الذي حضر مع لاعبيه مباراة الكاميرون بشكل دقيق ومفصل منذ شهرين، اضطر إلى تغيير نمط لعبه لأول مرة، في مباراة حاسمة، من خلال اعتماد خطة 3/4/3 بدلاً من طريقته التقليدية 4/3/3 التي لعب بها على مدى أكثر من ثلاث سنوات، حيث عزز دفاعه وأغلق المنافذ على مهاجمي الكاميرون الذين عجزوا بدورهم عن الوصول إلى مرمى مبولحي، رغم الحرارة العالية والرطوبة المرتفعة وأرضية الميدان السيئة.
ورغم إصرار الكاميرونيين وقدراتهم المهارية العالية التي جعلت منهم المرشحين للفوز والتأهل إلى المونديال على حساب منتخب جزائري كان مهزوزاً معنوياً، وكان البعض يعتقد أن بلماضي لم يعد لديه الحلول الفنية والتكتيكية لإعادة بعث نفَس جديد في لاعبيه والنهوض في ظرف وجيز لمواصلة مشوار يريده أن يكتمل بمشاركة جديدة في كأس العالم لم يحققها كلاعب، وهو يتوجه نحو تحقيقها كمدرب صنع أفراح الجزائريين ولقي إجماعاً لم يسبق له مثيل، كسر الفوز في الكاميرون العقدة وفتح أبواب التأهل إلى المونديال، لكن لا يزال هناك شوط ثانٍ لا يقلّ صعوبة عن الشوط الأول، يفرض على جمال بلماضي اعتماد الخيار السليم من الناحيتين الفنية والتكتيكية، بين اللعب بذات الشكل أو العودة إلى الطريقة المعهودة 4/3/3، وخصوصاً في ظل غياب رامي بن سبعيني المعاقب، والإرهاق الذي نال من اللاعبين بسبب الجهد المبذول في دوالا.كرة عالمية
إضافة إلى الضغط الكبير الذي سيعيشه في ملعب البليدة الذي لم يسبق أن خسر فيها عبر التاريخ. هي معطيات وأرقام تكرسها أرض الميدان ومدى تركيز اللاعبين والتزامهم لتحقيق حلمهم في التأهل إلى مونديال ينتظر أن يشهد مشاركة عربية قياسية بالنظر إلى نتائج مباريات الذهاب التي جاءت في مصلحة الجزائر وتونس والمغرب ومصر، بعد التحاق السعودية رسمياً بمنتخب البلد المنظم، قطر.
عودة الروح كانت كلمة السر في صفوف المنتخب الجزائري الذي نهض من ذات الملعب الذي سقط فيه قبل شهرين، والحفاظ عليها وعلى برودة الأعصاب مع التركيز الجيد سيكون مفتاح التأهل في ملعب “البليدة” هذا الثلاثاء أمام منتخب كاميروني جريح سيكون شرساً وقوياً دون شك، لكن يبقى تخوف الجزائريين الكبير من فريقهم، وليس من منافسهم، حتى بعد فوزهم في دوالا، لأن الأمر يتعلق بالمشاركة في نهائيات كأس العالم لجيل ومدرب يستحقان ذلك بجدارة.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 26 مارس 2022