hafid derradji

لماذا تحارب الأنظمة العربية من أجل التأهل لمونديال قطر 2022؟

إذا كان الفوز بكأس العالم لكرة القدم بالنسبة للبرازيل وألمانيا وإيطاليا تحصيل حاصل أو أمراً طبيعياً وعادياً يتكرر كل فترة زمنية، فذلك ليس من قبيل المصادفة، بل نتاج عمل منظم ومتواصل. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لهم، فإن المشاركة في المونديال بالنسبة للمنتخبات العربية هي أكبر إنجاز كروي.

مع الوقت، تحولت المشاركة في كأس العالم، وتحديداً مونديال قطر 2022، إلى هاجس كبير وتسعى إليها الدول والحكومات قبل اللاعبين والمدربين. وحتى الجماهير التي تحكمها المشاعر والعواطف والعشق الكبير للكرة ونواديها ومنتخباتها، ويتحكم فيها عشقها لكرة القدم الذي قد يجعلها تحزن لغياب إيطاليا مثلما حدث في مونديال روسيا.

لكن الغياب عن مونديال قطر 2022 هذه المرة ستكون له تداعيات كبيرة على الحياة العامة لبعض الشعوب العربية المتعصبة لمنتخباتها، وحتى بعض الأنظمة التي تدرك أن التأهل إلى المونديال سيمنحها جرعة ضرورية ووقتاً إضافياً لاستمرارها.

في نهاية شهر مارس/آذار 2022 سيتحدد مصير المنتخبات العربية التي تنافس على البطاقات الأخيرة للتأهل إلى مونديال خاص جداً تحتضنه المنطقة العربية نهاية السنة، وتسعى للمشاركة فيه السعودية ومصر والمغرب وتونس والجزائر. 

تأمل الجماهير العربية حضور مونديال قطر 2022 ومعايشته عن قرب إذا تأهلت منتخباتها، وربما تضمن أكبر مشاركة عربية في تاريخ كأس العالم، وربما أحسن مشاركة على الإطلاق بحكم الأجواء والحضور الجماهيري العربي والرغبة في المساهمة مع قطر في كتابة تاريخ قد لا يتكرر.
وتأمل الجماهير أكثر في بلوغ أدوار متقدمة في مونديال قطر 2022، ولم لا ​إحداث مفاجأة القرن. لكن قبل هذا وذاك، سيكون التأهل هاجساً للمدربين واللاعبين والجماهير، وحتى الحكومات والأنظمة لما له من تداعيات على المعنويات والنفوس بسبب الأهمية التي يوليها الجميع لكرة القدم التي تحولت إلى عامل من عوامل الاستقرار وتأكيد الذات في ظل الفشل الذي يطبع كل مجالات الحياة الأخرى.

المزيد من التذمر المصري

منتخب مصر سيكون أمام مهمة مزدوجة، بل مهام عديدة، أولاها الثأر من السنغال الذي حرمه من التتويج بكأس أمم إفريقيا الأخيرة، ثم التأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الثانية على التوالي والرابعة في تاريخ مصر بجيل يقوده محمد صلاح أحد أفضل لاعبي العالم حالياً، ومن ثم التواجد في مونديال قطر 2022 العربي قبل أن يكون عالمي.

لا يمكن تصور مونديال قطر 2022 من دون مصر ومنتخبها وجماهيرها التي لن تكون بحاجة للتنقل إلى قطر؛ لأن الجالية المصرية الكبيرة تكفي لملء كل الملاعب أثناء المونديال، والتحفيز لا ينقص لاعبين يعيشون ضغوطات كبيرة تكون أحياناً أكبر من طاقاتهم وحتى إمكانياتهم في الظرف الراهن من مرحلة التجديد التي يعيشها المنتخب المصري بمدرب جديد تأقلم مع الخصوصية المصرية بسرعة رغم صعوبتها والحجم الكبير للضغوطات التي تتزايد كلما اقترب موعد المباراة الفاصلة التي ستكون مادة للإلهاء إلى غاية نهاية السنة في حال التأهل وسببا في مزيد من التذمر في حالة الإقصاء كما جرت العادة.

امتصاص الغضب الجزائري

المنتخب الجزائري سيكون بدوره  أمام ثأر آخر، ليس من منتخب الكاميرون، لكن لتعويض مشاركته التعيسة في بطولة كأس أمم إفريقيا الأخيرة التي خرج منها في الدور الأول. وسيكون كذلك أمام تحد كبير لاستعادة هيبته وثقة عشاقه فيه من الناحية الفنية بعد انتهاء سلسلة خمس وثلاثين مباراة من دون خسارة، و​بالموازاة مع ذلك يحمل على أكتافه هموم شعب كامل تعود على الانتصارات طيلة ثلاث سنوات توج فيها باللقب القاري سنة 2019 واللقب العربي الأول من نوعه نهاية سنة 2021 .

التأهل لمونديال قطر 2022 سيسمح بامتصاص الغضب الشعبي الحاصل في العديد من المجالات نتيجة قسوة الحياة، ويسمح للحكومة بالاستثمار فيه واستغلاله على الأقل إلى غاية موعد المونديال، بينما سيكون للإقصاء تداعيات سلبية على النفوس والقلوب والحياة العامة للجزائريين، دون أن ننسى إمكانية رحيل بلماضي عن الخضر في حالة إخفاقه في تحقيق الهدف الذي جاء من أجل قبل ما يقارب الأربع سنوات.

فرصة لحكومة المغرب

نفس الأمر سيحدث مع المغرب الذي لا تختلف ظروفه عن الجزائر ومصر كثيراً بسبب الضغوطات التي يعيشها منتخبها الذي يملك قدرات فنية كبيرة بشهادة المتتبعين، لكنه يفشل في تحقيق اللقب الإفريقي منذ أكثر من 40 عاماً، وفشل في تحقيق اللقب العربي في قطر.

ربما تكون الضغوطات الجماهيرية في مواجهته للكونغو أكبر بسبب تداعيات رفض حكيم زياش ونصير مزراوي العودة الى المنتخب، رغم أن المنافس الكونغو الديمقراطية ليس في مستوى منافسي مصر والجزائر وقد لا يشكل عائقاً كبيراً لتأهل المغرب إلى المونديال، وبالتالي إتاحة الفرصة للحكومة المغربية كي تتنفس قليلاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها.

الأمل التونسي

نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية تشهدها تونس هذه الفترة، وحتى الظروف السياسية ليست على ما يرام، لذلك سيكون تأهل منتخبها فرصة لتخفيف الضغوطات على شعبها وجماهيرها الكروية على الأقل لغاية نهاية السنة، أمام منافس مالي يريد بلوغ المونديال لأول مرة في تاريخه، في وقت اقتربت فيه السعودية من تحقيق حلمها في مشاركة جارتها قطر في مونديال لا يمكن تصوره من دون المنتخب السعودي وجماهيره التي بدأت تحضر لتوافدها بأعداد كبيرة على الدوحة لمناصرة الأخضر السعودي ومعايشة الحدث الأكبر في منطقة الخليج على الإطلاق، على أمل تحقيق مشاركة أفضل من مونديال روسيا، وإسعاد الجماهير السعودية التي تشكل الكرة بالنسبة إليها متنفساً لا نظير له.

مونديال قطر 2022 والأنظمة العربية

المنتخبات العربية لكرة القدم صارت مع الوقت تحمل على أكتافها وزر فشل حكوماتها وأنظمتها في إسعاد شعوبها وتحقيق النجاحات في كل مجالات الحياة، ولم تعد نتائج مبارياتها تخلف تداعيات رياضية وفنية تؤدي إلى تغيير المدربين وترحيل رؤساء الاتحادات، بل تتعداها إلى تأثيرات سياسية واجتماعية ونفسية تنعكس على معنويات الناس والأمن العام والاستقرار وتكون لها تداعيات كبيرة عند الخسارة أو الفوز، مما يزيد من الضغوطات على اللاعبين والمدربين والمسؤولين الإداريين والسياسيين؛ لأن كرة القدم لم تعد لديهم مجرد لعبة، بل وسيلة تخدير يتم استغلالها سياسياً واجتماعياً عوض الاستثمار فيها وفي كل الطاقات والقدرات التي تتوفر عليها في كل المجالات.    

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل