hafid derradji

حلال عليهم ، حرام على غيرهم !!

كل يوم يمر عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلا وتزداد قناعتنا بأن هذا العالم لا يقوم على القيم ولا المبادئ، ولا حتى الأخلاق ، ولا يخضع لقوانين أو معايير وأحكام عادلة ، بقدر ما تحكمه المصالح وكل أشكال التمييز والعنصرية التي جعلت الحرب الروسية في أوكرانيا عدوانا يجب مقاومته بكل الوسائل والطرق، والحرب على الفلسطينيين دفاعا عن النفس من طررف الاسرائيليين الذين يجب دعمهه بكل الوسائل والطرق، حتى ولو اقتضى الأمر اقحام السياسة في الرياضة بشكل انتقائي واستعمالها كوسيلة ضغط سياسي من خلال معاقبة الرياضيين والفرق والمنتخبات الروسية وحرمانها من المشاركة في مختلف المحافل الرياضية، في وقت كان نفس العالم بهيئاته السياسية والرياضية يرفض الخلط بين السياسة والرياضة ويمنع حتى الرياضيين من رفع شعارات ولافتات داعمة للفلسطينيين الذين يتعرضون للعدوان والتمييز العنصري والاحتلال الاسرائيلي منذ أكثر من سبعين عاما ، بدعم من نفس المجموعة الدولية التي صدعت رؤوسنا بالمثل والقيم والمبادئ .

الغريب في الأمر أن القوى العظمى نفسها التي تدين اليوم الحرب الروسية على أوكرانيا وتصفها بكل النعوت الاجرامية ، لم تحرك ساكنا عندما كانت روسيا ذاتها تقصف المدنيين في سوريا وتقتل وتهجر شعبها حتى أثناء كأس العالم 2018 التي احتضنتها روسيا دون أن تدعو الى مقاطعتها بحجة التزامها بمبدأ عدم اقحام السياسة في الرياضة، وهو نفس المبدأ الذي التزمت به على مدى عقود في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ، والتعامل مع كل رياضي يجرأ على مقاطعة الرياضيين والفرق والمنتخبات الاسرائيلية، أو يندد ويحتج على تمادي الاحتلال في قمع و تقتيل الفلسطينيين وتهجيرهم كل يوم أمام أنظار عالم تحكمه المصالح وليس المبادئ ولا القوانين ، يمارس كل أشكال التمييز العنصري في تعامله بشكل مختلف مع نفس الوقائع والأحداث .

فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان ليست أوكرانيا، ومعاقبة الرياضيين الروس ونواديهم ومنتخباتهم من المشاركة في مختلف البطولات الدولية هو عملية تضامنية ضرورية للضغط على النظام الروسي، لا تشكل خرقا لقاعدة عدم اقحام السياسة في الرياضة ، لكن عندما يقاطع المصارع الجزائري فوزي نورين مواجهة مصارع اسرائيلي في الأولمبياد لأنه يمثل بلدا محتلا لأراضي غيره، فان ذلك يشكل معاداة للسامية يجب معاقبة صاحبه بحرمانه من ممارسة هوايته لعشر سنوات كاملة حفاظا على قيم الرياضة التي ينص عليها الميثاق الأولمبي الذي يطبق على فئة دون أخرى ، حسب طبيعة المعتدي والمعتدى عليه، وطبيعة عرقه وجنسه ولون بشرته ، وحتى مكان تواجده ، خاصة وأن الجرائم المرتكبة في حق العرب والمسلمين في كل مكان وزمان كانت أبشع، لكنها لم تلقى نفس التنديد والدعم والتضامن الدولي من أمريكا وأوروبا الغربية.

الاتحادان الأوروبي والدولي لكرة القدم قررا معاقبة الأندية الروسية ومنتخباتها من المشاركة في المسابقة الأوروبية والدولية، بما في ذلك تصفيات الملحق الأوروبي المؤهل الى المونديال نهاية الشهر الجاري، مما يشكل سابقة تعزز مشاعر الأسف والحسرة عند الروس الذين يتعرضون لكل أشكال العقوبات في كل المجالات، ومشاعر الغضب لدى العرب والفلسطينيين الذين تحزنهم مظاهر العنصرية والتمييز في التعاطي مع الحرب على أوكرانيا والحرب على فلسطين والشعوب العربية ، وهذا الخلط بين العدوان والدفاع عن النفس الذي يعتبر حق مشروع للأوكرانيين يجب دعمه بكل الوسائل، وممنوع على الفلسطينيين لأنه ارهاب يستدعي محاربته وخنقه، ويقتضي التعاطف مع الاسرائيليين ولوبياتهم المتغلغلة في أمريكا و كل الأنظمة الغربية ووسائل إعلامها التي تشكل سلاحا لا يقل قوة عن السلاح التقليدي بممارستها الدعائية و التضليلية التي تزيد من الاحتقان وتبرر استغلال الرياضة كوسيلة ضغط على السياسيين .

الحرب هي حرب في كل مكان وزمان، تسقط فيها أرواح وتهدم فيها مباني ، ويهجر أثرها ملايين الضحايا ، وحرب روسيا على أوكرانيا هي عدوان لا يمكن قبوله مهما كانت الأسباب ، لكن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وإسرائيل هي أخر من يندد بالعدوان والجرائم ضد الانسانية ، وأخر من ترفع شعارات حقوق الإنسان وقيم الحرية التي تنتهك كل يوم في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وانتهكت حتى في البوسنة والهرسك وأفغانستان والصين والهند، أما الهيئات الدولية الرياضية التي تقحم نفسها بايعاز فقد فقدت مصداقيتها بدورها وكشفت عن انحيازها الفاضح لأن القيم والمبادئ هي كل لا يتجزأ ، ولا يمكن الالتزام بها في حرب والتغاضي عنها في حروب أخرى .. 

حفيظ دراجي

سوبر 1 / .. 8 مارس 2022

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل