صنع منتخب جزر القمر لكرة القدم الحدث قبل بطولة كأس أمم افريقيا بتأهله لأول مرة الى النهائيات، ثم كرر صناعة الحدث بفوزه في أول مشاركة على غانا في الدور التمهيدي وتأهله الى الدور ثمن النهائي، وكاد أن يفعلها مجددا في مواجهة منتخب البلد المنظم الكاميرون لولا الفحوصات الطبية الإيجابية التي منعته من الاستفادة من عشرة لاعبين بسبب إصابتهم بفيروس كورونا، من بينهم حراسه الثلاثة الذين عوضهم لاعب ميدان، ومدربهم أمير عبدو الذي تابع المباراة من غرفة الفندق في الحجر الصحي، إضافة إلى ظروف أخرى صعبة ميزت المباراة بعد طرد لاعبهم ندجيم عبدو في الدقائق السبع الأولى من المباراة التي تمكن فيها من تسجيل أفضل هدف في البطولة قبل الخروج بتقدير واحترام واعجاب عشاق الكرة وكل وسائل الإعلام العالمية التي احتفظت بصور لاعبين أبطال قاوموا الكاميرون وكورونا والتحكيم ونقص الخبرة والتجربة.
قبل كل هذا بدأت الحكاية بتأهل تاريخي إلى نهائيات كأس أمم افريقيا لأول مرة في تاريخ البلد العربي جزر القمر، ثم تحقيق أول فوز في دور المجموعات للنهائيات على غانا بثلاثة أهداف لهدفين بشكل متميز ومثير، قادهم الى بلوغ ثمن النهائي لأول مرة أيضا ومواجهة منتخب البلد المنظم أمام جماهيره بدون اللاعبين الأساسيين الذين أسفرت الفحوصات التي أجريت لهم بأنهم يحملون فيروس كورونا، وبمدافع في ثوب حارس كان أمينا أكثر من الحراس الأصليين وقف أمام كل الهجمات الكاميرونية بشكل عجيب رغم النقص العددي منذ الدقائق الأولى للمباراة الى غاية إطلاق الحكم الاثيوبي صافرة النهاية في وجه هجمة معاكسة لجزر كانت مضيئة مثل القمر في سماء ياوندي وأمام منتخب كاميروني مدجج بالنجوم، ومدعم بالآلاف من المناصرين في المدرجات.
الحارس (المدافع) شاكر الهدهور صنع الحدث في وسائل الإعلام العالمية بسبب دفاعه عن مرماه بيديه ورجليه وصدره وظهره ورأسه، وبشجاعة فريدة كان يستحق على أثرها على الأقل التتويج بجائزة أفضل لاعب في المباراة، لكن المتابعين منحوه لقب البطولة من دون منازع، وأكيد سيمنحون مسجل هدف جزر القمر جائزة أفضل هدف بدوره، ويمنحون كل أفراد المنتخب جائزة الشجاعة والرجولة في ممارسة الكرة ومواجهة كل التحديات التي صادفتهم، بما في ذلك صبرهم على أخطاء الحكم الإثيوبي تسيما الذي ساهم في اخراجهم من البطولة، وإدخالهم قلوب جماهير الكرة بتقدير كبير بعد أن حافظوا على توازنهم واعصابهم، وأسالوا العرق البارد لمنتخب البلد المنظم الذي لم يترك مجالا للصدفة أو المفاجأة وفعل كل شيء من أجل التأهل على حساب منتخب يشارك لأول مرة في البطولة رغم إمكانياته الفنية التي تفوق المنافس.
بعض التعاليق تحدثت عن خسارة البطولة لسمعتها وشفافيتها من خلال استغلال نتائج التحاليل التي لم تكشف الى حد الآن أية حالة ايجابية في صفوف المنتخب الكاميروني، كما كان الحال مع منافسيه في الدور الأول الرأس الأخضر واثيوبيا وبوركينا فاسو، ومنتظر أن تكشف عن حالات أخرى في أوساط المنتخب الغامبي المشارك بدوره لأول مرة في النهائيات والذي سيواجه الكاميرون في ربع النهائي، ويتوقع أن تسجل في صفوفه إصابات أخرى بفيروس كورونا تحرمهم من المشاركة في اللقاء في سيناريو مسيء للكرة الافريقية التي أبهرت العالم في دورة مصر، وها هي تضحك العالم ثلاث سنوات في بطولة يبدو أن جاني إنفانتينو كان على صواب عندما طالب بتأجيلها بسبب عدم جاهزية البلد المنظم.
المهم أن الحدث جعل العالم يعرف أن جزر القمر التي أرعبت الكاميرون بدون حارس مرمى هي دولة عربية مسلمة صغيرة تقع في جنوب شرقي أفريقيا لا يتعدى عدد سكانها 800 ألف نسمة، صار عدد عشاقها بالملايين في أفريقيا والعالم بسبب مباراة في كرة القدم جعلتها تتصدر التريند في محرك “غوغل” بعد المباراة بحثا عن جزر صنعت ملحمة كروية كادت تصل الى درجة المعجزة.
حفيظ دراجي
القدس العربي 26 يناير 2022