hafid derradji

لماذا عادت الجزائر مبكراً من الكاميرون؟

بلغة الأرقام، قد تكون الإجابة عن هذا السؤال بسيطة، ولا تحتاج إلى فلسفة ويكفي القول إن مردود المنتخب الجزائري في كأس أمم إفريقيا كان سيئاً، حيث خسر مباراتين وتعادل في واحدة بعدما سجل هدفاً واحداً وتلقى أربعة، وهو نفس السيناريو الذي حدث في كأس أمم إفريقيا 1992، أي سنتان بعد تتويجه باللقب القاري الأول بنفس الرصيد من النقاط والأهداف المسجلة والتي تلقاها. وللمفارقة بنفس الخسارة من كوت ديفوار آنذاك، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع الجزائر كما مع الكثير المنتخبات الإفريقية حاملة اللقب، لكن اللافت هو توقف سلسلة المباريات دون خسارة عند الرقم 35 أمام منتخب غينيا الاستوائية الذي لم يكن بنفس قوة المنتخبات التي واجهها المنتخب الجزائري على مدى ثلاث سنوات.

هذا الأمر الذي شغل الرأي العام في الجزائر وخارجها رغم التحليلات والتبريرات المتداولة عن الرطوبة والحرارة وأرضية الميدان السيئة، بينما ذهب البعض الآخر إلى تقديم تفسيرات ذاتية فنية ونفسية تتعلق بخيارات المدرب ومردود اللاعبين. 

ما الأسباب الحقيقية لتوديع الجزائر؟ 

مهما كانت التبريرات فإن الكل يجمع على أن المنتخب الجزائري لم يكن يستحق التأهل إلى الدور الثاني في دورة الكاميرون بسبب الأداء المتواضع فردياً وجماعياً وحتى فنياً باعتراف المدرب جمال بلماضي الذي لم يقدر على تغيير الأمور هذه المرة. كما لم يقدر على تحفيز لاعبيه الذين كانوا في عالم آخر وفقدوا تركيزهم لدرجة لم يقدروا على رد الفعل فوق الميدان رغم قدراتهم الكبيرة التي لا يمكن أن تتراجع بهذه الحدة في ظرف زمني وجيز، حتى وإن ظهرت بعض الملامح في المباراتين الأخيرتين أمام بوركينا فاسو في دور المجموعات من  تصفيات كأس العالم 2022 التي تعادلوا فيها ذهاباً وإياباً.
ضعف التحضيرات والوصول المتأخر إلى مدينة “دوالا” الكاميرونية، قد يكون واحداً من العوامل التي حالت دون تأقلم المنتخب الجزائري مع الأجواء في الكاميرون ودخول المنافسة بنفس القوة التي صاروا يتحلون بها منذ مجيء المدرب جمال بلماضي في أغسطس من سنة 2018.

هل هو إخفاق أم مجرد تعثر؟

هواة الكرة في الجزائر راحوا يتساءلون عن المردود وانقسموا بين من اعتبره إخفاقاً فنياً وتكتيكياً من المدرب ولاعبيه يقتضي تقييماً وتقويماً، وبين من اعتبره مجرد عثرة كان لابد منها لتصحيح المسار قبل موعد هام بعد شهرين في المباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم أمام الكاميرون والتي ستكون اختباراً كبيراً لمدى قدرة المجموعة على تجاوز الخروج المبكر من كأس أمم إفريقيا. وكذا التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بنهاية مرحلة زاهية مرت بها الكرة الجزائرية المتوجة بكأس إفريقيا وكأس العرب وسلسلة تاريخية من المباريات دون خسارة، تطلبت جهداً وتركيزاً كبيرين من مدرب لم تتزعزع ثقته بلاعبيه حتى في أصعب الظروف، وبقي يعتمد على نفس التركيبة وهوية اللعب لسنوات، لكنه أقر في المقابل بأنه أخفق هذه المرة ويتحمل مسؤولية خياراته ووصوله المتأخر إلى الكاميرون ما منع اللاعبين من التأقلم بسرعة من الأجواء.  

المسؤولية جماعية.. 

اعتراف المدرب جمال بلماضي بالإخفاق لا يلغي مسؤولية اللاعبين والاتحاد الجزائري و”إعلامه”، حيث ظهر الكثير من التراجع على الأداء الفردي للكثير من اللاعبين الذين لم يكونوا في المستوى لأسباب فنية ونفسية وحتى صحية بسبب الإصابات المتكررة للمدافع جمال بلعمري، والظهير يوسف عطال، ومتوسطي الميدان بن ناصر، زروقي، فيغولي، وبلايلي، دون أن تكون للمدرب الجرأة على تعويضهم، حيث أصر على تجديد الثقة فيهم، في وقت تتحدث بعض المصادر عن أجواء محيط المنتخب التي لم تكن منسجمة خاصة بين رئيس الاتحاد وبعض أعضاء المكتب الفيدرالي من جهة، وبينه وبين محيط المدرب الوطني بسبب تداخل في الصلاحيات الإدارية والتنظيمية التي تبقى من اختصاص الاتحادية بالتنسيق مع المدرب، وهي أمور تؤثر على النفوس وتنعكس على المعنويات، وتؤدي إلى نتائج يتحمل مسؤوليتها الجميع، وتقتضي مكاشفة ومصارحة عند تقييم المشاركة من كل جوانبها.

تداعيات ما بعد الخروج المبكر..

مغادرة اللاعبين الجزائريين مدينة “دوالا” بعد المباراة مباشرة في اتجاه نواديهم بذلك الشكل حملت دلالات واضحة على سوء التنظيم ومدى تأثر لاعبي المنتخب الجزائري من الناحية النفسية بعد الإقصاء، ما غذى مشاعر التخوف عند الجماهير من انهيار المعنويات قبل شهرين من المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر ضد المنتخب الكاميروني، في وقت اعتبر البعض الآخر أن الذي حدث سيكون مفيداً للمدرب ولاعبيه بعد الدعم الكبير الذي لمسوه عند جماهيرهم، وتحولهم في ظرف وجيز من منتخب مرشح إلى آخر متراجع فاقد لكل الحظوظ أمام منتخب الكاميرون وهي الوضعية التي يحبذها وتناسبه في المواعيد الكبرى خاصة إذا توج المنتخب الكامروني باللقب القاري وصار المرشح الأقوى للتأهل إلى المونديال.

العودة المبكرة للمنتخب الجزائري من الكاميرون قد تعجل بعودته إلى مستواه المعهود بالاعتماد على نفس اللاعبين دون الحاجة إلى تغييرات عميقة من المدرب بسبب ضيق الوقت، خاصة وأنهم مطالبين بالتعويض ورد جميل الجماهير الجزائرية التي بقيت وفية لهم رغم الأداء التعيس والنتائج المخيبة التي تتكرر كل مرة مع الأبطال في إفريقيا والعالم كل مرة بشكل لافت لنفس الأسباب النفسية والمعنوية والفنية، وحتى لأسباب أخرى موضوعية تتعلق بإعلامها وجماهيرها الذين يخفقون بدورهم في التعامل مع التتويجات عندما يعتقدون بأنهم لا يهزمون ويجب أن يفوزوا كل مرة وفي كل الظروف.  

حفيظ دراجي

عربي بوست 25 يناير 2022

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل