رعاية الفيفا لكأس العرب الأخيرة، التي جعلت منها منافسة عالمية وإن كان غير معترف بها حتى الآن، مقابل تقزيم بطولة كأس أمم إفريقيا، واحتقارها للأسرة الكروية الإفريقية، تثير ردود فعل حتى ولو محتشمة في وسائل الإعلام الإفريقية بالخصوص، خاصة بعد موافقتها على طلب جمعية الأندية الأوروبية بتأخير انضمام اللاعبين الأفارقة إلى منتخبات بلدانهم المشاركة في بطولة كأس أمم إفريقيا في الكاميرون، حتى الثالث من يناير/كانون الثاني 2022، بدلاً من الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما تنص عليه اللوائح، عندما يتعلق بالمسابقات القارية والدولية، ليتضح جلياً مدى الاحتقار الذي تتعرض له القارة السمراء من طرف إنفانتينو في عهد الرئيس باتريس موتسيبي، وقبله الملغاشي أحمد أحمد، لدرجة مطالبة الأفارقة بتنظيم البطولة مرة واحدة كل أربع سنوات عوض كل سنتين، وتغيير موعدها إلى شهر سبتمبر/أيلول من كل سنة بدلاً من يناير/كانون الثاني.
منذ مجيء إنفانتينو تم تأجيل بطولة كأس أمم إفريقيا لأكثر من سنة ونصف السنة، وكاد يؤجلها مجدداً أو يلغيها كليةً؛ بحجة عدم جاهزية الكاميرون، وضغط الروزنامة الدولية، لكن الدافع الحقيقي كان خدمة الأندية الأوروبية، والتودد للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، عشية التصويت على مشروع قرار تنظيم كأس العالم كل سنتين، وتحسباً لانتخابات رئاسة الفيفا المقبلة، التي يسعى للفوز بها حتى ولو اقتضى الأمر إهانة الأفارقة ورؤساء الاتحادات الإفريقية الذين يدعمونه مقابل مناصب في الكاف والفيفا، ومكاسب شخصية دفعت الجمعية العامة للاتحاد الإفريقي إلى إعلان تأييدها لمشروع إنفانتينو دون مناقشته ودراسة تداعياته على الكرة الإفريقية، وسكت عن قراره بتنظيم بطولة كأس العالم للأندية في نفس مواعيد بطولة كأس أمم إفريقيا، ما يحول دون مشاركة الأهلي المصري بلاعبيه الدوليين.
إنفانتينو رئيساً للفيفا وسيداً على الاتحاد الإفريقي
المنتخبات الإفريقية المشاركة في بطولة كأس أمم إفريقيا، التي ستنطلق في التاسع من يناير/كانون الثاني، باشرت تحضيراتها دون لاعبيها الدوليين، الذين ينشطون في مختلف الدوريات الأوروبية، وكان عليها انتظار الثالث من يناير للاستفادة من خدماتهم بقرار من الفيفا، في سابقة أولى من نوعها، رغم أن الاتحادات القارية هي هيئات مستقلة غير تابعة للفيفا، الذي يتشكل من الاتحادات المحلية وليس القارية، كما أننا لم نسمع من قبل عن تدخل الفيفا في مسابقات الاتحاد الأوروبي أو الآسيوي أو اتحاد أمريكا الجنوبية مثلاً، لكن عندما يتعلق الأمر بالأفارقة، خاصة في عهد إنفانتينو، تجد أن الفيفا تتدخّل حتى في تعيين الرئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية، كما حدث في الجمعية العامة الاستثنائية الأخيرة أمام أنظار اتحادات إفريقية ضعيفة بدورها، بل بعضها متواطئ مقابل مزايا ومكاسب شخصية آنية أساءت كثيراً لسمعة هيئة قارية كانت هي من تحدد وتقرر من يرأس الفيفا.
حتى تنظيم كأس العرب كان في صالح إنفانتينو
يحدث كل هذا في وقت قرر فيه إنفانتينو تنظيم كأس العرب استثناءً في الدوحة، تحت رعاية الفيفا خارج روزنامة الاتحاد الدولي لاختبار قدرات قطر التنظيمية ومدى استعدادها لاحتضان كأس العالم 2022، دون أن يخوض في مستقبل المسابقة، أو يدعم فكرة انتظامها رغم نجاحها، رغم أنها جرت من دون مشاركة اللاعبين المحترفين في أوروبا، وتم تنظيمها لمصلحة الفيفا الذي أراد تبديد الشكوك وطمأنة العالم بأن قطر جاهزة لاحتضان العرس العالمي قبل سنة عن موعده، بينما كانت بالنسبة للقطريين أكثر بكثير من مجرد اختبار، بل استعراض للعضلات وتأكيد على أحقية قطر ومنطقة الشرق الأوسط في استضافة كأس العالم بطريقة مختلفة ومبهرة، حيرت إنفانتينو ذاته، وحيرت حتى الفنيين الذين اكتشفوا المستويات والقدرات الفنية الكبيرة للاعبين العرب الذين ينشطون في الدوريات العربية المختلفة.
الاتحادات القارية متواطئة
في وقت لم يستثمر الاتحاد العربي في نجاح البطولة ليحرص ويصر على تنظيمها دورياً كل أربع سنوات على الأقل، فإن الاتحادات المحلية الإفريقية لم تحرك بدورها ساكناً للاعتراض على قرارات إنفانتينو بتأجيل التحاق اللاعبين الأفارقة بمنتخباتهم، وكأنها متواطئة هي أيضاً، أو متخوفة من رئيس الفيفا، ما يمهد لتنازلات أخرى قادمة، ويزيد من غطرسة إنفانتينو وسطوته على الهيئة الإفريقية، خاصة عندما طالب مجدداً بتغيير موعد إجراء نهائيات كأس أمم إفريقيا إلى شهر سبتمبر/أيلول خدمة للأندية الأوروبية، وهو الذي كان وراء تغيير موعدها من الصائفة إلى بداية السنة، ولا يزال يصر على جعلها بطولة تجرى مرة واحدة كل أربع سنوات، من أجل تجسيد مشروعه بتنظيم كأس عالمية كل سنتين، وزيادة عدد المنتخبات المشاركة، حتى يربح أصواتاً جديدة في انتخابات الفيفا القادمة، في وقت لا يجرؤ فيه على إبداء مجرد رأي في شؤون اتحادات ومسابقات قارية أخرى.
مصالح إنفانتينو، ثم الفيفا، والأندية الأوروبية هي التي سبقت مصالح الاتحاد الإفريقي، والاتحاد العربي، وحتى مصالح الاتحاد القطري في كل القرارات التي تم اتخاذها منذ مجيء السويسري على رأس الاتحاد الدولي، لكن بقدر ما كانت مفيدة لقطر والمنتخبات العربية والاتحاد العربي غير المعترف به، فإنها كانت قاسية ومؤسفة وظالمة للاتحاد الإفريقي، الذي يفقد مصداقيته واستقلاليته في كل مناسبة، ليصبح تابعاً لإنفانتينو، وخاضعاً لسلطته، يتصرف فيه طبقاً لروزنامته وبرنامجه الانتخابي، طمعاً في عهدة ثانية تعارضها الاتحادات الأوروبية وبعض اتحادات أمريكا الجنوبية وآسيا.
حفيظ دراجي
عربي بوست 5 يناير 2022