عادة يكون حفل افتتاح الألعاب والبطولات تدشينًا لانطلاقة منافساتها، لكن يبدو أن الإبهار الذي خلفه حفل افتتاح كأس العرب فيفا 2021 سيكسر القاعدة وينهي البطولة قبل بدايتها بسبب الأثر الذي تركه في عقول وقلوب الناس لدرجة جعلتهم يحكمون عليها بالنجاح قبل متابعة المباريات، ومعرفة مستويات المنتخبات، ومعاينة ملاعب المونديال الستة التي تم تخصيصها لمجريات البطولة، والمرافق المخصصة لاستقبال الوفود والضيوف، وكل الإمكانيات والتسهيلات التي تم توفيرها استعدادًا للحدث الأكبر بعد أقل من عام في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المسابقات الرياضية الكبرى حيث أنهكت قطر من يأتي بعدها لينظم البطولة بعدما رفعت السقف عاليا من كل الجوانب.
بالرغم من المستويات التي أظهرها عرب إفريقيا في مبارياتهم الأولى في دوري المجموعات على غرار حامل اللقب المغرب، تونس والجزائر، و بدرجة أقل مصر إلا أن العالم لا يزال يتحدث عن تفاصيل حفل الافتتاح والسيناريو الذي جمع بين الأصالة والحداثة، بين الفن والموسيقى والتراث والحضارة العربية العريقة، وتكريم العلماء الأربعين من مختلف البلدان العربية الذين يساهمون في تنمية البشرية وإثراء الحضارة العالمية والإنسانية ببحوثهم واكتشافاتهم التي وجدت في قطر كل الرعاية والاهتمام والمرافقة لدرجة تم إدراجهم في حفل افتتاح حدث رياضي لا علاقة له نظريًا بالعلم والعلماء والبحوث في مجالات الفيزياء والكيمياء و الروبوتيك والطب وغير ذلك
أما ملعب البيت الذي احتضن الافتتاح فقد كان حكاية أخرى من حكايات ألف ليلة وليلة، مع الفكرة ثم التصميم الذي ربط بين الماضي والحاضر، جاء في شكل بيت الشعر أو الخيمة التي سكنها أهل قطر والخليج على مر التاريخ وترمز إلى كرم الضيافة والحفاوة لكونه مأوى للضيف المرهق من عناء السفر والترحال، ليكون مأوى لمباريات الكرة في كأس العرب ومونديال 2022 بالإضافة إلى الملاعب الخمسة الأخرى التي تحتضن المنافسة بكل تفاصيل التنظيم العالمي الفريد من نوعه، الذي لا يزال يثير الإعجاب أكثر من أعجاب الناس بمهارات وفنيات اللاعبين في المباريات الأولى لدوري المجموعات التي انبهر فيها الحضور بالملاعب الجديدة .
حتى بعد نهاية البطولة لن يتحدث الناس عن المتوج ولا عن اللاعبين المتميزين والأهداف التي تسجل، بل سيذكرون ملاعب البيت، الجنوب، الريان، الثمامة، رأس أبوعبود والمدينة التعليمية، ويذكرون عزف النشيد المركب من مقتطفات أناشيد البلدان المشاركة والذي كان تحفة أخرى ومفاجأة سارة جمعت قلوب العرب وحركت فيهم مشاعر الانتماء والاعتزاز والافتخار، وفي نفس الوقت مشاعر الحسرة على وضع عربي تعيس كان يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه اليوم من انقسام وتخلف وتراجع في القيم والأخلاق والمواقف والمبادئ، والاقتصاد والتجارة، وفي كل مجالات الحياة.
البطولة فعلًا انتهت مع نهاية حفل الافتتاح، وما تبقى هو مجرد تفاصيل وجزئيات لن تغير من الانطباع الذي تركه حفل الافتتاح بتفاصيله وجزئياته وروعة تجسيده فوق أرضية ميدان البيت الذي كان فعلًا بيتًا جامعًا لكل تفاصيل الإبداع الذي ما بعده إبداع حتى ولو تألقت منتخبات قطر والأردن ومصر والجزائر والمغرب وتونس المرشحة للتتويج باللقب فنيًا بعدما توجت قطر وفازت بقلوب كل عاشق للإبداع في التفكير والبراعة في التجسيد دون عقدة أو مركب نقص.
حفيظ دراجي
موقع قول بالعربي 2 ديسمبر 2021