فوز المنتخب الجزائري على جيبوتي في الجولة الخامسة من دور المجموعات لتصفيات كأس العالم الخاصة بقارة أفريقيا بنتيجة ثقيلة وأداء متميز باستمرار منذ أكثر من ثلاث سنوات على مدى 32 مباراة دون خسارة، يثير مزيداً من التقدير والاعجاب والإشادة في الأوساط الرياضية في الجزائر وخارجها. لكن في المقابل يكشف كل مرة عن تراجع كبير لكل الرياضات في الجزائر سواء كانت فردية أو جماعية أسفرت عن مشاركة هزيلة في أولمبياد طوكيو الأخير، وينذر بخيبة أخرى في ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقررة في الجزائر الصيف المقبل في ظل معاناة كبيرة للرياضيين والنوادي والمنتخبات، وحتى الاتحادات التي لم تنطلق مسابقاتها، ولم تتلقَ الاعتمادات المالية التي تسمح لها بتحضير رياضييها للمشاركة في العرس المتوسطي وكل المسابقات القارية الأخرى.
صحيح أن تفشي فيروس كورونا فعل فعلته بكل الرياضات بسبب غلق الملاعب والقاعات وإلغاء المسابقات المحلية ةالدولية على مدى موسمين، لكن العجز في تسيير الظرف طاول السلطات العمومية وأغلبية المسيرين في توفير الحد الأدنى من الإمكانيات والظروف الملائمة لاستمرار تحضير الرياضيين والمنتخبات، بعدما تمسكت الجزائر بتنظيم الحدث في صيف عام 2022، في وقت كان بإمكانها أن تطلب التأجيل مجدداً أو تتراجع عن الاستضافة بسبب عدم جهوزية رياضييها، وعدم اكتمال تأهيل بعض المرافق في مدينة وهران التي ستحتضن الألعاب، وهو الأمر الذي يؤكد سوء التسيير والتقدير، والعجز في استشراف المستقبل والتقييم الجيد للوضع الحالي والمرتقب في المستقبل القريب، الذي يبدو قاتماً كما تتوقعه بعض الأصوات التي ارتفعت مؤخراً في الأوساط الإدارية والفنية تشتكي عدم الجاهزية، وتتوقع نتائج كارثية.
حتى في الكرة تألق المنتخب الجزائري لا يعكس مستوى الدوري المحلي والأندية المحترفة، ولا حتى مستوى التنظيم والتسيير والتأطير للهيئات الكروية المحلية سواء على مستوى الاتحاد الجزائري أو الرابطات التي تتخبط في مشاكل إدارية وتنظيمية كبيرة أخفتها النتائج المسجلة على مستوى المنتخب الوطني، شغلت الناس عن الحديث عن دوري الموسم الماضي الذي لم يكتمل، وعن جمعية انتخابية لم تكن انتخابية ولا ديمقراطية. هذا بالإضافة إلى انتخابات رؤساء الرابطات الجهوية والولائية التي كانت شكلية، دون الحديث عن الرابطة المحترفة التي لم تجدد رئيسها ولا هياكلها رغم انتهاء عهدة المكتب الحالي، مما أسفر عن مشاعر تذمر كبيرة لدى أندية الدرجتين الأولى والثانية التي تتخبط في أزمات مالية خانقة جعلتها غير قادرة على دفع رواتب لاعبيها.
حتى انتخاب رئيس جديد للاتحاد الجزائري لكرة القدم لم يغير شيئاً في المنظومة الإدارية للكرة الجزائرية بسبب فشله في التحكم في مكتبه الفدرالي غير المتجانس الذي لم يختره، وفشله في فرض نفسه في منظومة لا تزال ترتكز على قوة الأشخاص وليس الأفكار والسياسات والمشاريع، التي لم تظهر معالمها بعد منذ انتخاب شرف الدين عمارة رئيسا للاتحاد الجزائري، ولا تزال قابعة تحت ظل شجرة المنتخب الجزائري التي غرسها جمال بلماضي ولاعبوه ولا تزال تثمر وتؤتي أكلها لحد الآن. لكن ماذا لو سقطت الشجرة أو عجزت عن جني الثمار لسبب أو لأخر؟ ماذا لو أخفق المنتخب الجزائري في التأهل الى مونديال قطر؟ وكيف سيكون الحال لو رحل جمال بلماضي عند نهاية عقده؟ الأكيد أن الغابة ستحترق لأن أهلها يأكلون من شجرة واحدة، ويختفون وراءها، ويخفون عيوبهم و نقائصهم الكثيرة في التسيير.كرة عربية
الجماهير والصحافة وحتى وسائل التواصل الاجتماعي تغاضت بدورها عن الخوض في منظومة رياضية فاشلة تختفي كلها وراء تألق منتخب الكرة، ونواد مفلسة، واتحادات رياضية من دون موارد ولا إمكانيات، ومنتخبات ورياضيين يتألمون في صمت بسبب اهتراء المرافق وتوقف المنافسات الرياضية المحلية، وبالتالي تراجع الاستعدادات والتحضيرات للمواعيد الرياضية القارية والدولية، دون أن تقدر الوزارة الوصية على ضبط الأمور وتوفير الإمكانيات اللازمة.
في حين ذهبت وسائل الإعلام تخوض في جزئيات وتفاصيل وتفاهات لا تخدم الرياضة والرياضيين ولا القيم وأخلاقيات المهنة، بل تشوش على كل مجتهد وتبحث له في الغابة عن ورقة سقطت من شجرة صامدة في وجه رياح عاتية تهب من كل الجهات، أو تزيد من لهيب نيران تكاد تأتي على كل شيء جميل ومثمر.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 13 نوفمبر 2021