عادت مؤخرا نظرية المؤامرة تروج في بعض الأوساط المقربة من المنتخب الجزائري لكرة القدم بعد تعادله أمام بوركينا فاسو في تصفيات كأس العالم، والتغييرات التي حدثت على مستوى برمجة مواجهتي النيجر بداية الشهر المقبل، والتي تعتبر عادية وطبيعية تتكرر كل مرة ما دام القانون يسمح للبلد المضيف بأن يختار التوقيت والتاريخ ويغيره عشرة أيام قبل الموعد، بشرط أن يكون في حدود تواريخ الفيفا والمواقيت الثلاثة التي تقرها، لكن عبقرية وحنكة المكلفين باستقبال وتوديع اللاعبين في المطار من الذين اختطفوا المنتخب والاتحاد الجزائري بعد مؤامرة دنيئة بتواطؤ من السلطات العمومية قبل أربع سنوات، راحوا يستفزون الرأي العام ويسيئون الى المنتخب والمدرب جمال بلماضي من خلال الحديث عن مؤامرة وهمية لا توجد سوى في أذهان مروجيها الذين تعودوا على شراء وبيع المباريات والذمم والاصطياد في المياه العكرة التي قادتهم للحديث باسم مدرب محترم ومنتخب محترم، وبلد يستحق الأفضل.
ردود الفعل في الأوساط الكروية الجزائرية أجمعت على أن المؤامرة الحقيقية تحدث من داخل المنتخب والاتحاد الجزائري اللذين يفتقدان التنسيق والانسجام منذ مجيء رئيس الاتحاد الجديد قبل بضعة شهور، والذي لم يتمكن من التخلص من بقايا المكتب السابق، سواء على مستوى مكتبه ومساعديه أو على مستوى محيط المنتخب، ولم يتمكن من فرض وجوده وضبط وتنظيم عملية الاتصال والتواصل، ما يوحي بوجود خلل بين الاتحاد والمنتخب بسبب رداءة بعض المشرفين على العملية، والمرتبطين بأطراف تفتقد للكفاءة، جاءت بمؤامرة ورحلت بمؤامرة، ولا يمكنها العمل في محيط نقي بدون تلطيخ سمعة الناس بتصريحات غير مسؤولة تبحث عن أعداء وهميين لمدرب يلقى إجماعا لم يسبق له مثيل في تاريخ الكرة الجزائرية، ويحظى باحترام كبير من الأسرة الكروية الجزائرية كلها سواء كانوا فنيين، إعلاميين أو جماهير.
صحيح أن المدرب الوطني في أي بلد، مسؤول عن اختيار مساعديه في كل المجالات الفنية والادارية والطبية وغيرها، لكن الاتحاد مسؤول عن حماية المنتخبات الوطنية من خلال ضمان الانسجام بين مختلف هياكل الاتصال تجنبا لكل أشكال التشويش على المنتخب، والمتاعب على الاتحاد مع الهيئات الرياضية القارية والدولية التي يخضع التعامل معها إلى قواعد وقوانين وأعراف قد لا يعرف أبجدياتها من لا يتحلى بالقيم والأخلاق والكفاءة المهنية في مجال عمله، ومن لا يدرك بأن السمعة التي بلغتها الجزائر مع الهيئات الكروية القارية والدولية تحققت بفضل تضحيات الرجال، مثلما تحققت الانجازات الكروية السابقة والحالية بفضل مجهودات المسيرين واللاعبين والمدربين، بما في ذلك المدرب الحالي جمال بلماضي الذي سيكون خلال الفترة المقبلة بحاجة إلى العمل في ظروف جيدة تسمح له بالتركيز على الأولويات وليس التفاهات التي تستهلك الجهد والوقت.
إذا كانت هناك مؤامرة فعلا على حد قول مفجرها، فإن السلطات العمومية مطالبة بالتدخل لكشف خيوطها ومتابعة مدبريها قضائيا وحماية منتخب وطني يعتبر مكسبا للجزائر والجزائريين، والتآمر عليه يشكل خيانة لا يمكن السكوت عنها، أما اذا اتضح أن الأمر مجرد اتهامات باطلة وتهويل وتشويش وتغطية على الرداءة في التسيير، ومحاولة للتمرد على الاتحاد الجزائري، فهذا يعني أن المؤامرة تحدث من الداخل وبالضبط من محيط المنتخب الذي يبقى بحاجة الى تنظيف، أو على الأقل الى تنظيم وتحديد للصلاحيات والمسؤوليات وتنسيق مع هياكل الاتحاد الجزائري المكلفة بالاتصال والتواصل مع الداخل والخارج، لأن التصريحات غير المسؤولة قد تنعكس سلبا على نتائج المنتخب ومشواره في تصفيات كأس العالم ونهائيات كأس أمم إفريقيا المقبلة التي يحتاج فيها جمال بلماضي الى الهدوء والاستقرار والتركيز على الجانب الفني وليس فتح جبهات أخرى مع الأسرة الكروية في الجزائر والهيئات الكروية الدولية.
المنتخب الجزائري لم يعد مجرد فريق كرة، ولم يكن يوما ملكية خاصة لأحد يتصرف فيها كما يتصرف في مزرعته أو فريق الحي الذي ينتمي اليه، بل هو مؤسسة محترمة تتصرف باسم بلد محترم وشعب لا يرضى باستمرار الرداءة في التسيير ولا يسكت عن المؤامرة مهما كان مصدرها، خاصة عندما تكون من محيط المنتخب، لذلك على رئيس الاتحاد أن يتحمل مسؤولياته ويتحكم بموظفي الهيئة ومساعديه، والا فلينسحب قبل فوات الأوان وانفجار الأوضاع.
حفيظ دراجي
القدس العربي 30 سبتمبر 2021