ميسي رحل عن برشلونة فجأةً دون مقابل، وانضمّ برفقة سيرجيو راموس ودوناروما وفينالدوم إلى “الباريسي”، ورونالدو غادر يوفنتوس بأقل من 30 مليون يورو، وعاد إلى “مسرح الأحلام” بعدما حقق كل أحلامه، وكان قريباً من الالتحاق بفريق مانشستر سيتي الذي استقدم جاك غريليش، فيما عاد روميلو لوكاكو إلى تشلسي. والتحق جادون سانشو بمانشستر يونايتد، أما كيليان مبابي فيقترب من تحقيق حلم اللعب في ريال مدريد، في صفقات جنونية غير متوقعة، وغير مكلفة بالنسبة إلى البعض، في أوج الأزمة المالية الخانقة التي تتخبط فيها عديد الأندية في أوروبا بسبب تداعيات وباء “كورونا” وتراجع مداخيلها في انتظار مفاجآت الساعات الأخيرة من ميركاتو صيفي سيحدث هزات أخرى لم تكن متوقعة قبل اليوم، تؤدي إلى استغناء بعض الأندية عن لاعبين ممتازين لا يقبلون الجلوس على كرسي الاحتياط.
لا أحد كان يتوقع هذا السيناريو الغريب والفريد من نوعه، لكن منذ رحيل ميسي عن البرسا اختلطت كل الأوراق وصار كل شيء وارداً وقابلاً للبيع والشراء، وصار المستحيل ممكناً في عالم كرة القدم، وخاصة لدى الأندية الكبيرة التي تستثمر في قوتها المالية وأزمات غيرها لاستقطاب النجوم الذين يعتبرون مصدر دخل لها ووسيلة استقطاب للمستثمرين والرعاة. يَُضاف إلى ذلك وزنها الفني الذي يصنع الفارق في كل المسابقات، خاصة في دوري الأبطال الذي صار الآن مفتوحاً على احتمالات أكبر بعدما تغيرت موازين القوى وصار البرسا فريقاً عادياً، والريال مرشحاً قوياً بالثنائي كريم بنزيمة ومبابي، و”الباريسي” قوياً أكثر بميسي ونيمار، ومانشستر سيتي مرعباً، واليونايتد فريقاً للأحلام بانضمام رونالدو وسانشو وفاران، بينما ازداد تشيلسي قوة بعد عودة لوكاكو.
“الباريسي” من دون مبابي سيواصل دهس الجميع في كل المسابقات المحلية، لأن وجود ميسي وراموس ودوناروما، وفينالدوم سيعزز حظوظه في التتويج بدوري الأبطال، خاصة إذا تمكن من استقدام الدولي البرازيلي ريشارليسون من إيفرتون، أو مواطنه غابرييل جيسوس من المان سيتي، ليصبح فعلاً فريق الأحلام، أو يتحول إلى فريق أوهام إذا فشل المدرب ماوريسيو بوكيتينو في توظيف النجوم وفقد السيطرة على كرسي الاحتياط وغرف الملابس، وعجز عن تحمّل ضغوط الإدارة والإعلام وجماهير النادي التي لن يرضيها سوى التتويج باللقب الأوروبي، رغم صعوبة المهمة أمام نوادٍ أوروبية كبرى استفادت بدورها من الجنون الحاصل.
أما ريال مدريد الذي ضيّع راموس وفاران، وعوضهما بديفيد ألابا، فقد اقترب أكثر من تجسيد صفقة الموسم بالتوقيع لكيليان مبابي الذي سيرافق بنزيمة في الخط الأمامي، ويجد المساحات التي لم تتوافر لديه في الدوري الفرنسي القوي بدنياً وتكتيكياً، حتى إنّ نيمار لم يجد ضالته، وعانى كثيراً من هاجس الإصابات. وهو الأمر الذي سيحدث لميسي، دون شك، عندما يجد نفسه أمام تدخلات قوية وعنيفة أحياناً من طرف الخصوم، لكن مبابي سينضج وينفجر في الريال، حيث سينافس على الألقاب الفردية ويكون هداف الدوري الإسباني الذي سيستعيد بدوره بريقه الذي فقده مع الوقت برحيل رونالدو قبل سنوات، ثم ميسي وراموس هذا الموسم، رغم أنه لم يستقطب سوى سيرجيو أغويرو، ممفيس ديباي وديفيد ألابا في الصيف.
تشيلسي بتشكيلته التي تُوِّجت بلقب دوري الأبطال، وبعد انضمام الصاروخ روميلو لوكاكو، سيزداد قوة ويصبح المرشح الأول للفوز بلقب دوري الأبطال والدوري المحلي بعدما تُوِّج بكأسي السوبر الأوروبي والدرع الخيرية بداية هذا الموسم بخيرة اللاعبين الموجودين حالياً في السوق، شأنه شأن السيتي بغريليش ومن دون أن يستغني عن نجومه السابقين، ما يسبب متاعب كبيرة لبيب غوارديولا في تسيير غرف الملابس وكرسي الاحتياط. بينما صار المان يونايتد مرشحاً لخلط أوراق “البريمييرليغ” ودوري الأبطال بانضمام رونالدو في آخر لحظة بعدما كان قريباً من “سيتي” وتعرض لانتقادات شديدة من نجوم وجماهير المان يونايتد التي تعتبر انتقال كل من حمل قميصهم إلى مانشستر سيتي بمثابة خيانة لا يجب أن تحدث مثلما لمّح إليه النجم السابق واين روني.
ما حدث من جنون في “ميركاتو” هذا الصيف يبقى مؤشراً كبيراً على تحولات كثيرة في معايير سوق الانتقالات وتكلفتها، حيث تكفي الإشارة إلى أنّ ميسي، أفضل لاعبي العالم، رحل إلى “الباريسي” دون مقابل، ورونالدو انتقل إلى اليونايتد بأقل من 30 مليون يورو، وإن بقي مبابي في “الباريسي” دون تجديد عقده، سيرحل بدوره مجاناً إلى ريال مدريد أو أي وجهة أخرى، في سيناريوهات جديدة لعالم الكرة الحديثة، وبانتظار مفاجآت أخرى واردة خلال اليومين القادمين.
حفيظ دراجي
العربي الجدي 28 أغسطس 2021