بعيداً عن كل الذي قاله خوان لابورتا رئيس “البرسا” في ندوته الصحفية حول أسباب الرحيل المفاجئ لنجم الفريق ليونيل ميسي عن برشلونة والذي حمَّل فيه رابطة الليغا المسؤولية، تعدَّدت وتنوعت التعاليق الجماهيرية والتحاليل الإعلامية، حول الأسباب التي أدت إلى وقوع الطلاق، والتداعيات المرتقبة على ميسي والبرسا والليغا والميركاتو الصيفي، وعلى الفريق والدوري الذي سيلعب له ميسي لاحقاً.
الكل أصيب بالصدمة من هول المفاجأة غير المتوقعة، وسرعة الإعلان عنها في موقع النادي الرسمي، والسطحية التي تعامل بها لابورتا مع وسائل الإعلام في ندوته الصحفية وكأن الأمر يتعلق بمجرد لاعب كرة عادي وليس بميسي صانع الأفراح والمتعة والفرجة، وأحد أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة، رغم أنه هو من طالب بالرحيل قبل سنة في عهد الرئيس السابق ماريا بارتوميو.
الذي حدث أن ميسي غادر البرسا في رمشة عين، بمجرد بيان قصير من بضع كلمات لم تحمل تقديراً وامتناناً للاعب، ولا شرحاً فيه الاحترام لعراقة النادي وجماهيره الوفية التي لم تصدق الخبر في الأول، وكان عليها انتظار الندوة الصحفية التي عقدها الرئيس لابورتا في اليوم الموالي لتدرك فعلاً أن القصة انتهت، وميسي رحل عن البرسا وبطولة الليغا لأسباب اقتصادية بحتة، لا تتعلق بمطالب ميسي المالية بل بسياسة تسقيف الأجور التي فرضتها الرابطة على كل الأندية الإسبانية حسب تبريرات رئيس النادي الذي عاد إلى استعمال لغة الوعود واللعب على المشاعر؛ خاصة عندما قال بأن البرسا أكبر من أي لاعب، وسيبقى كبيراً، ويفوز بالألقاب كما كان، وهو الأمر الذي لم يتحقق على مدى الموسمين الماضيين حتى في وجود ميسي.
ميسي بدوره لم يتأخر طويلاً في الرد من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم وبدا فيه شديد التأثر برحيله. بكى وأبكى الحضور وكل المشاهدين، معبراً عن حزنه وألمه بسبب الرحيل دون سماع هتافات الجماهير، قائلاً بأنه “لا يصدق ما حدث، وإنه عمل المستحيل لأجل البقاء”. وهو الكلام الذي يزيد من الغموض حول الذي جرى خاصة أن ميسي شكر الرئيس لابورتا ورئيس الرابطة الإسبانية لكرة القدم، ولم يحمِّل مسؤولية الطلاق لأي طرف، وكأن جميع الأطراف اقتنعت بضرورة الافتراق، واتفقت على نفس التبريرات؛ وهو الأمر الذي زاد من حدة الصدمة في الأوساط الإعلامية والجماهيرية التي ستحتاج إلى أيام أخرى لاستيعابها، وتجاوز الأضرار والتداعيات التي ستكون كبيرة لحدث لم يكن يتوقعه أحد بهذا الشكل وهذه السرعة والبساطة لدى المعنيين بالأمر.
الذي سيحدث بعد رحيل ميسي أن البرسا سيخوض منافسة الدوري الجديد الأسبوع المقبل من دون ميسي، قد يعود الفريق إلى ما قبل 2005، لن يكون هو البرسا من الناحية الفنية ولا الجماهيرية ولا حتى المالية التي كانت السبب المباشر المعلن في عدم تجديد عقد ميسي. لكن الطلاق سيخلف خسائر مالية أخرى كبيرة للنادي؛ لأن ميسي كان وراء ثلث مداخيل البرسا من الإشهار و”الماركتينغ” خلال العشرية الأخيرة؛ حتى إن عملية بيع الأقمصة التي تحمل اسمه كانت تدر على النادي ما يقارب 60 مليون يورو سنوياً، وغالبية المعلنين والرعاة كان يستقطبها اسم ميسي قبل البرسا في استثماراتهم التي ستشهد تراجعاً كبيراً يكلف البرسا والليغا خسائر اقتصادية كبيرة تعقِّد من الأزمة المالية التي تتخبط فيها الأندية الإسبانية منذ بداية تفشي الوباء.
الليغا ستخسر بدورها الكثير من سمعتها التي تأثرت برحيل رونالدو ثم نيمار، وبعدهما راموس وميسي هذا الموسم، في انتظار رحيل نجوم آخرين بسبب الأزمة المالية التي تتخبط فيها العديد من الأندية، أما الكلاسيكو الذي كان يجمع بين رونالدو وميسي ويترقبه العالم أجمع، فسيتحول إلى مواجهة بين فينيسيوس وبرايثويت، دون طعم ولا لون ولا حتى قيمة فنية وإعلامية وجماهيرية، بعدما أخذ معه رونالدو الكثير من عشاقه إلى اليوفي، ورحيل ميسي سيحدث نفس المفعول وأكثر، لأن الأمر يتعلق بابن الفريق والليغا الذي لم يلبس سوى قميص البرسا طيلة مشواره، وكان صانع فرحة وفارق كبير، لن يقدر عليه أي لاعب آخر على الأقل في الوقت الحالي.
أكبر التداعيات المرتقبة هي الخسائر الاقتصادية والمالية الضخمة على البرسا والليغا، خاصة بعد التسريبات التي تحدثت عن رغبة الرعاة الرئيسيين في إعادة النظر في العقود المبرمة بسبب رحيل ميسي، أما لابورتا فلن يصمد طويلاً أمام الضغوط وغضب أنصار البرسا والصحافة الكتالونية التي عادت لتحمِّله مسؤولية رحيل ميسي وتتهمه بأنه كذب على الأنصار بعدما استعمل ورقة إقناع ميسي بالبقاء في انتخابات الرئاسة التي فاز بها، وفشله في إبرام صفقات كبيرة في مستوى قيمة وسمعة الفريق، حتى رئيس الرابطة الإسبانية خافيير تيباس سيدفع ثمن رحيل ميسي؛ لأنه صاحب مشروع تقليص فاتورة رواتب اللاعبين الذي تسبب في رحيل ميسي عن إسبانيا.
حتى ميسي سيخسر اللعب في بيئة وأجواء نشأ واشتهر فيها، حقق فيها ذاته ومجده الكروي؛ لذلك بكى أثناء المؤتمر الصحفي بتلك الحرقة، لكن مهاراته الفريدة وشعبيته الجارفة قد تمكِّنه من مواصلة إبداعه في أي ناد، ولو أن الأمر لن يكون سهلاً من الناحية النفسية بالدرجة الأولى، يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والصبر، وربما ظروف مشابهة لتلك التي لعب فيها، وفريق يملك مقومات المنافسة على الألقاب والبطولات المحلية والأوروبية التي تعود عليها وافتقدها خلال الفترة الماضية بسبب تراجع مستوى البرسا الذي دفعه للمطالبة بالرحيل نهاية الموسم الماضي.
الفائز الكبير سيكون النادي الذي سينتدبه والدوري الذي سيلعب فيه لسنوات أخرى، والخاسر الأكبر سيكون جمهور البرسا الذي عاش الكثير من الأفراح بالإنجازات والتتويجات، والكثير من الخسائر والانهزامات والانتكاسات، لكنها لم تحزنه وتكسره مثلما فعل رحيل ميسي بهذه الطريقة التي لم يقدر فيها على توديع معشوقه.
حفيظ دراجي
عربي بوست 8 أغسطس 2021