hafid derradji

فشل وإخفاق… أم مجرد تعثر وخسارة؟

كثيرة هي الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام العربية التي تستعمل مصطلحات الفشل والإخفاق والإقصاء لوصف خروج رياضيينا من مختلف المسابقات في الأدوار الأولى لمنافسة من حجم الألعاب الأولمبية، وكأنهم يملكون نفس مقومات وإمكانيات وقدرات نظرائهم في العالم، أو كأننا متعودين على التتويج بالميداليات الأولمبية والعالمية، ونعتبر الخسارة انهزاما وإخفاقا نحمل مسؤوليته للرياضيين ومدربيهم سواء في الرياضات الفردية أو الجماعية، علما أن رصيد العرب من الميداليات منذ مشاركتهم الأولى في دورة ستوكهولم سنة 1912 إلى غاية ريو دي جانيرو 2016، هو 108 ميداليات من بينها 26 ذهبية، 27 فضية و55 برونزية، وهو رقم تجاوزته الولايات المتحدة الأمريكية في دورة واحدة سنة 2016 في ريو دي جانيرو بـ121 ميدالية من بينها 38 ذهبية، 37 فضية و46 برونزية .


صحيح لا يمكن مقارنة رياضيينا ونظرائهم الأمريكيين، ولا رياضتنا بالرياضة في أمريكا، لأن في ذلك ظلم لشبابنا، ولا يمكننا مقارنة منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وعلمية ورياضية متخلفة، بمنظومة أمريكية أو صينية أو يابانية وألمانية أو روسية متطورة في كل المجالات، تنفق وتستثمر وتنتج رياضيين أبطالا، عندما يعجزون عن تحقيق الميداليات لا يوصفون بـ”الفاشلين” لأن الفوز والخسارة عندهم جزء من قواعد المنافسة الرياضية، وعيا منهم بأنه لا يمكن لكل الرياضيين الأمريكيين التتويج بالميداليات الأولمبية كل مرة في ظل منافسة كبيرة من دول أخرى قوية سياسيا واقتصاديا وفكريا وعلميا، تنافس دوما على الريادة في كل الألعاب الأولمبية على غرار دولة عظمى من حجم روسيا التي تأتي في المركز الثاني من حيث رصيد الميداليات في تاريخ الأولمبياد بـ 1556 وألمانيا بـ 1346 ميدالية، والصين بـ 946 وبريطانيا بـ 851 ميدالية من مختلف المعادن.


في الدول العظمى صاحبة الثقافة الرياضية المتطورة يتطلب التتويج سنوات من الجهد، وتكلف ميدالية أولمبية واحدة في ألعاب القوى مثلا ما يقارب خمسة ملايين دولار، وهو مبلغ يمثل ميزانية سنوية لاتحاد ألعاب القوى في بلد عربي من حجم الجزائر مثلا، بينما ينفق أكثر من هذا المبلغ على رياضي المستوى العالي في بعض البلدان العربية الأخرى، لكن بشكل غير سليم، لا يتوافق مع المعايير الرياضية المعمول بها عالميا، ما يعني أن المعضلة ليست مادية فقط بل هي فنية وفكرية، تتعلق بالمنظومة الرياضية في حد ذاتها التي لا تستند على المعايير والقواعد والمناهج الحديثة في التدريب والتحضير وتكوين الأبطال، الذي يعتبر بدوره صناعة كغيره من الصناعات الأخرى، التي تقتضي تخطيطا للأهداف حسب القدرات والإمكانيات المهارية للرياضيين والمنتخبات .


أمريكا وأوروبا والصين واليابان وأستراليا هي دول ومجتمعات تملك منظومات تصنع الأبطال منذ الصغر بمساهمة الأسرة والمدرسة والجامعة والنادي وسط مناخ احترافي ملائم يستثمر في المواهب الرياضية التي تجد الرعاية والمرافقة، بينما عندنا يجب عليك أن تصبح بطلا بفضل موهبتك وجهدك وتضحياتك، وبعدها يأتيك الدعم والاهتمام من السلطة، بل يأتيك الاستغلال السياسي الذي يقتل فيك تلك الموهبة والروح التي قادتك إلى القمة قبل أن يحدث السقوط الحر مباشرة بعد التألق مثلما حدث للكثير من المواهب التي كان تتويجها في الأولمبياد موعدا لنهايتها وسقوطها بسبب منظومات سياسية ورياضية لا تكتفي بفشلها في صناعة الأبطال بل تتفنن في تحطيمهم عن قصد أو دون وعي، وتحبط معنويات كل من يسعى إلى تحقيق ذاته في المجال الرياضي.


استحقاق أبطالنا الأولمبيين أكبر بكثير من استحقاق الأبطال الأولمبيين الأمريكيين لأن معاناة أبنائنا  والعراقيل التي يواجهونها أكبر، لذلك يعتبر مجرد التأهل إلى الأولمبياد إنجازا، والتتويج بالميدالية الأولمبية إعجازا، مثل الذي حققه في أولمبياد طوكيو هذا الأسبوع السباح التونسي أحمد حفناوي الفائز بذهبية 400 متر سباحة حرة، بينما خسارة رياضيين آخرين ومنتخبات أخرى لا تعتبر إخفاقا أو فشلا، بل فيها تحد كبير للذات والغير، يجب اعتبارها أمرا عاديا وطبيعيا في منظومة فشلت في تكوين الإنسان في حد ذاته وليس فقط الرياضي “المسكين”.

حفيظ دراجي

القدس العربي 28 يوليو 2021

حفيظ دراجي

حفيظ دراجي : اعلامي جزائري، مذيع ومعلق في قنوات bein sports منذ 2008 كاتب صحفي في عديد المواقع والصحف، وقبلها مذيع ومعلق في التلفزيون الجزائري بين 1988 و 2008 ، تقلد مناصب مدير القسم الرياضين مدير الأخبار ونائب للمدير العام

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل