كلنا يذكر الأزمة الكبيرة التي دخلها فريق برشلونة، السنة الماضية، مع الرئيس الأسبق جوسيب ماريا بارتوميو، وكادت تؤدي إلى رحيل ميسي، بعدما انعكست سلباً على أداء ونتائج الفريق، بسبب تصريحاته وتصرفاته وممارساته. وهو نفس الأمر الذي يتكرر اليوم مع ريال مدريد، بسبب تسريبات صوتية قديمة مهينة لأساطير ونجوم النادي الملكي السابقين والحاليين، من طرف الرئيس فلورونتينو بيريز، ستكون لها تداعيات كبيرة على الفريق من كل الجوانب الفنية والمادية والمعنوية، بغض النظر عن توقيت التسريب والجهات التي تقف وراءه ، وكل ما أحاط بالعملية من محاولات ابتزاز تعرّض لها بيريز لطمس التسجيلات وعدم تسريبها، مقابل دفعه مبلغ 12 مليون يورو، قبل أن تدفع فيها مجلة “إلـ كونفيدنسيال” ستة ملايين يورو لأجل الحصول عليها ونشرها في توقيت حساس جدا يمر به الريال قبل بداية موسم جديد، وبعد قيادته لعملية تمرد ضد الاتحاد الأوروبي، من خلال مشروع السوبرليغ الذي اقترحه.
عندما يصف بيريز، الأسطورة رونالدو بالمجنون والأحمق والرجل المغرور والمريض، ويقول عن إيكر كاسياس إنه ليس حارسا، وكان أكبر محتال رفقة الخدعة الكبيرة راؤول، ويصف مورينيو بالأحمق وغير السوي، ويقول عن المدرب ديل بوسكي إنه لا يفقه شيئا في عالم التدريب، ويتهكم على كل النجوم السابقين وينعتهم بكل الأوصاف القبيحة، لم يترك الرئيس بهذه التوصيفات للمدريديين شيئاً يفتخرون به، ويفتح جبهات سجال وحروب مع أساطير لها شعبية كبيرة في الأوساط الجماهيرية، وعمق كبير في الأوساط الإعلامية، لن تسكت طويلاً وتنتظر الفرصة السانحة لكي ترد عليه بقوة، وتقول بدورها ما تعرفه عن بيريز الذي لا يخلو مشواره مع ريال مدريد من فضائح وكوارث وأسرار يعرفها عنه كل من تعامل معه، خاصة على مدى العقدين الأخيرين.
البعض يعتقد بأن بيريز ليس بارتوميو حتى يسقط بسبب مجرد تسريبات مهما كانت خطورتها، ويعتقدون أيضا بأن علاقاته الجيدة مع وسائل الإعلام المدريدية ستشفع له، خاصة أنها تسعى بدورها لمساعدته على تجاوز الأزمة من خلال تجنبها البحث عن ردود فعل المعنيين بالتسريبات، وتوقفها عن إثارة الموضوع في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى سكوتها عن رحيل زيدان وراموس ومرافقة بيريز في مساعيه للتخلص من هازارد وغاريث بيل، لكنها لن تقدر على مساعدته في انتداب مبابي الذي يخضع لعوامل خارجية يتحكم فيها اللاعب نفسه وفريقه، والشروط المادية المطلوب توفرها لتحقيق الصفقة التي تشفع لبيريز وتجعله يتجاوز واحدة من أصعب محطاته في النادي “الملكي” كرئيس.
ملف القضية “الفضيحة” لم يغلق بشكل كلي، وربما يعود إلى الواجهة عندما يقرر كاسياس وراؤول ومورينيو وديل بوسكي الرد، وفلورونينو بيريز لن يهنأ إلا إذا نجح في الرد عليهم إذا فعلوا، ونجح في إسكات وسائل الإعلام والجماهير، بانتداب كيليان مبابي، والحفاظ على بن زيمة ورافاييل فاران والتخلص من إيدن هازارد في “الميركاتو الصيفي”، الذي يبدو ساخناً وصعباً على بيريز قبل ريال مدريد، خصوصاً بعد رحيل المدرب زيدان والمدافع راموس إلى باريس سان جرمان وتضييع الفريق للقب “الليغا” لصالح الجار أتلتيكو مدريد. وهذه جميعها عوامل ستساهم في التخفيف من الأزمة وتنقذ رأس بيريز ولو مؤقتا، لأن تصريحاته حتى ولو كانت قديمة ستجعل كل اللاعبين الحاليين في موقف يشوبه الحذر في تعاملاتهم مع رئيسهم الذي فقد ثقتهم، وربما يقول عنهم ما قاله عن سابقيهم في السر والعلن، ويصعب عليه تبرير أو حتى تكذيب ما قاله، رغم قيامه برفع دعوى قضائية ضد الجهة التي قامت بتسريب التسجيلات الصوتية.
من جهة أخرى، يرى بعض المتتبعين في إسبانيا وأوروبا أنها بداية نهاية بيريز مع الريال، وبداية عهد جديد من المتاعب لن تزول سوى برحيل الرئيس عن النادي، خاصة أن الاتحاد الأوروبي وضعه نصب عينيه، بسبب دعمه لمشروع السوبرليغ الأوروبي. والمعنيون بالتسريبات المهينة لن يسكتوا، والصحافة الإسبانية غير المدريدية تصر عليهم لمعرفة ردودهم على التسريبات، إضافة إلى الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها النادي، والتي تنعكس سلباً على طبيعة ونوعية الانتدابات في “الميركاتو الصيفي” الحالي الذي يبدو صعباً ومعقداً، يساهم في تحديد مصير بيريز، مثلما كان الحال مع رئيس البرسا الذي سقط، لأنه فشل في التعامل مع ملف ميسي، فشل في انتدابات الصيف الماضي، وعجز عن تحقيق لقب الدوري أو دوري الأبطال.
فهل سيعيد التاريخ نفسه ويتكرر سيناريو بارتوميو مع بيريز، أم أن رئيس ريال مدريد يملك أرواحا، ولن تؤثر فيه الأخطاء السبعة التي ارتكبها في ظرف وجيز وأدت إلى تضييع اللقب ورحيل زيدان وراموس والإخفاق في صفقة هازارد والكشف عن التسريبات المهينة؟
حفيظ دراجي
العربي الجديد 24 يوليو 2021