الحادي عشر من شهر يوليو/تموز 2021 يبقى تاريخاً مشهوداً في ذاكرة عشاق كرة القدم العالمية الذي سقط فيه صباحاً البرازيل في نهائي كوبا أمريكا في معقله ماراكانا أمام الأرجنتين، وسقط فيه الإنجليز مساءً في معقلهم ويمبلي في نهائي كأس أمم أوروبا أمام إيطاليا، فتمكن ميسي من الحصول على أول لقب قاري مع منتخب بلاده الأرجنتين، وثأرت إيطاليا من إقصائها من المشاركة في مونديال روسيا قبل ثلاث سنوات، وهي الرمزية التي زادت من قيمة الإنجاز للأرجنتين وإيطاليا، وعمقت من مرارة الإخفاق لمنتخبي البرازيل وإنجلترا أمام عشاقها وجماهيرهم وهواة الكرة العالمية، وخاصة عشاق ميسي الذي عاش أحد أسوأ مواسمه في مشواره الكروي، وكل المتعاطفين مع إيطاليا المبدعة منذ مجيء روبرتو مانشيني مدربا تمكن من المزج بين خبرة بونوتشي وكيليني، وشباب دوناروما، باريلا و كييزا، بالإضافة إلى براعة جورجينيو، فيراتي وإنسينيي.
العالم كله استفاق صباح الأحد 11 يوليو/تموز على تتويج ميسي الأول من نوعه، وتحدث عنه في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي أكثر مما تحدث عن خسارة البرازيل على أرضه؛ لأنها لا تقارن بخسارة السامبا على نفس الملعب في نهائي كأس العالم 1934 أمام الأروغواي، ولا توازي خسارتها بالسبعة في ربع نهائي كأس العالم 2014 أمام ألمانيا، لكن لأن الفائز والمتوج هو ميسي فإن كل عشاق الكرة ركزوا على ما فعله ميسي الذي فاز بكل الألقاب الفردية والجماعية مع البرسا في مشواره الكروي، لكن عقدة النحس والفشل مع منتخب بلاده لازمته طويلاً بعدما أخفق في تحقيق لقب قاري أو عالمي رغم إبداعاته ومهاراته، ورغم تواجد جيل مبدع معه طيلة عقدين من الزمن كان دائماً مرشحاً فيها للتتويج بكوبا أمريكا أو كأس العالم.
ورغم أن ميسي لم يكن في حاجة للتتويج بكوبا أمريكا أو حتى بكأس العالم لكي يثبت أنه أحد أفضل اللاعبين في التاريخ لكن العقدة لازمته طويلاً، والكرة أنصفته هذه المرة في أصعب الظروف التي مر بها في مشواره الكروي بسبب متاعبه مع البرسا التي دفعته للمطالبة بالرحيل الموسم الماضي، ومتاعبه مع الإعلام الأرجنتيني وعشاق التانغو الذين حمّلوه مسؤولية الإخفاقات المتكررة للمنتخب الأرجنتيني في المواعيد الكبرى، لدرجة اتهامه بالتخاذل كل مرة والتشكيك في ولائه لمنتخب بلاده الذي أخفق معه في التتويج في خمس دورات سابقة بلغ فيها النهائي ثلاث مرات، سنوات 2016، 2016 و2017، قبل أن يتوج به سنة 2021 في ملعب ماراكانا على الأراضي البرازيلية وعلى حساب نيمار زميله السابق في البرسا، ويهديه إلى روح مارادونا فقيد الكرة العالمية الذي رحل دون أن يشهد تتويج ميسي والأرجنتين باللقب القاري.
في ويمبلي كان الوجع والأسف والحسرة أكبر على إنجلترا التي فشلت في تحقيق أول لقب قاري لها رغم كل الظروف التي خدمتها في هذه البطولة التي لعبت أغلب مبارياتها في ويمبلي وكانت فيها متميزة بجيلها الجديد الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم في روسيا قبل ثلاث سنوات، وكانت مرشحة للفوز باللقب القاري الأول من نوعه بعدما بلغت النهائي لأول مرة في تاريخها، لكنها لم تتمكن من تجسيد شعار “الكرة عادت إلى مهدها ومعاقلها”، فكان الحزن كبيراً والخيبة أكبر في الأوساط الإعلامية التي استفاقت صبيحة الإثنين على يوم عصيب وحلم كبير لم يتحقق حملت فيه مسؤولية الإخفاق للمدرب جاريث ساوثجيت بسبب خياراته التكتيكية وتأخره في إحداث التغييرات في النهائي، بينما تهكمت الجماهير على الثلاثي راشفورد، جيدن سانشو وبوكايو ساكا الذين ضيعوا ركلات الترجيح فتعرضوا لهتافات وتعليقات عنصرية كبيرة.
إيطاليا من جهتها خطفت الأضواء بجمال أدائها في البطولة وهوية لعبها الجديدة وروح لاعبيها العالية التي صنعت الفارق في النهائي بعد مشوار رائع مع روبرتو مانشيني بلغ 34 مباراة من دون خسارة، سمحت بالتتويج باللقب القاري للمرة الثانية في التاريخ بعد سنة 1968، وفي نفس اليوم الذي توجت فيها إيطاليا بلقب كأس العالم سنة 1982 في إسبانيا أمام الألمان، لتصبح ذكرى مزدوجة تحتفظ بها الذاكرة الجماعية للإيطاليين وتحتفل بها الأجيال الحالية والقادمة خاصة التتويج في ويمبلي على إنجلترا، الذي يحمل دلالة خاصة وحَّدَت إيطاليا مجدداً بعد فترة عصيبة مرت بها منذ إخفاقها في التأهل إلى مونديال روسيا، وكللت مجهودات وجرأة مدرب اختار التخلص من هوية اللعب الدفاعية المحضة، وانتهج أسلوباً مغايراً لما سبق، لجيل مهاري مبدع، متشبع بروح الانتصار التي نعرفها عن الطليان في الكرة وغير الكرة، نقرأها ونسمعها في نشيد إيطاليا الذي يعبر عن “استعداد الإيطاليين للموت إذا ما نادتهم إيطاليا”.
إذا كان فوز الأرجنتين بكوبا أمريكا في ماراكانا هو تتويجاً لميسي كما وصفه المتابعون والمحللون باعتباره الأول في مشواره، فإن فوز إيطاليا بكأس أوروبا للأمم هو تتويج لمنتخب إيطاليا بكل مكوناته وروح لاعبيه العالية وإصرارهم على تحدي الإنجليز في معقلهم بويمبلي وأمام جماهيرهم التي لن تستفيق بسرعة من صدمة جديدة كانت أكبر من تلك التي حدثت سنة 1996، مقابل فرحة تضاهي فرحة الإيطاليين بتتويجهم بكأس العالم سنة 2006 في ألمانيا، وربما تفوقها لأنها جاءت في ظروف دراماتيكية صعبة، وقبل سنة ونصف عن مونديال قطر الذي سيكون فيه التحدي والضغوطات أكبر على الأرجنتين وإيطاليا، وكذا على البرازيل وإنجلترا للمطالبة بالتعويض حتى تعود البسمة إلى معقلي الكرة في ماراكانا وويمبلي.
حفيظ دراجي
عربي بوست 12 يوليو 2021