من دون كل المنتخبات الكبيرة التي أقصيت في الدورين الأول وثمن نهائي بطولة كاس أمم أوروبا، لا يزال خروج فرنسا أمام سويسرا يثير الجدل في وسائل الإعلام الفرنسية كعادتها كل مرة مهما كانت الظروف، ربما لأنها بطلة العالم ووصيفة بطل أوروبا، أو لأن صحافتها قاسية ومتعصبة، تعتقد بأن منتخبها لا يهزم، فراحت تخوض في التبريرات، وتنبش في الأسباب والمتسببين.
تارة تحمل المسؤولية للمدرب ديدييه ديشان، وتارة أخرى لمبابي الذي ضيع ركلة الترجيح الأخيرة، بينما ذهب البعض الى اعتبار عودة بنزيمة الى المنتخب سببا في الإخلال بالتوازن داخل المجموعة التي لعبت من دونه منذ خمس سنوات، وأسباب أخرى دون أدنى اعتبار لأفضلية المنتخب السويسري في مباراة ثمن النهائي التي كان فيها قويا ذهنيا وبدنيا، ما سمح له بالعودة في النتيجة في الدقائق الأخيرة والفوز بركلات الترجيح.
كل المحللين في أوروبا أجمعوا على أن سويسرا كانت أفضل من فرنسا في المباراة من كل الجوانب الفنية والتكتيكية، الفردية والجماعية، البدنية والنفسية، لكن كل طرف حسب طبيعة نواياه في فرنسا، راح يبرر ويوجه سهام الاتهام لأطراف عديدة على رأسها المدرب ديشان الذي غير حسب البعض طريقة لعبه في مباراة ثمن النهائي، من دون تغيير كبير في التشكيلة بسبب عدم ثقته في الاحتياطيين وسعيه الدائم لإرضاء الكوادر مهما كان مستواهم ومردودهم، فكانت النتيجة فقدان توازن منظومته الدفاعية القوية التي سمحت له بالتتويج بكأس العالم قبل ثلاث سنوات، ما جعلها تتلقى ثلاثة أهداف أمام سويسرا وتنهار بدنيا في الوقت الإضافي، لأسباب أرجعها البعض الآخر الى المحضر البدني الذي أنهك اللاعبين خلال فترة التحضيرات بعد خروجهم من موسم طويل، شاق ومتعب.
أغلب وسائل الإعلام الفرنسية تغاضت عن الجوانب الفنية والتكتيكية والبدنية التي كانت سببا في الاخفاق، وراحت تخوض في شأن الوضع داخل غرف الملابس وتوتر العلاقات بين بعض اللاعبين خاصة منذ قرر ديشان اعادة استدعاء بن زيمة الذي لم يسلم من الانتقادات رغم أنه كان أحد أفضل اللاعبين، سجل أربعة أهداف أمام ألمانيا وسويسرا، لكن بعض الصحافيين راحوا يثيرون سوء التفاهم بينه وبين أوليفيه جيرو، وبين رابيو وبافارد من جهة وبول بوغبا من جهة أخرى بسبب تقصيره في العمل الدفاعي بحسب أصحاب هذه الأطروحة الذين استدلوا بغضب والدة أدريان رابيو التي تهكمت على مقربين من بوغبا ومبابي في المدرجات بعد نهاية المباراة واتهمتهم بالتواطؤ ضد ابنها فوق أرضية الميدان.
كيليان مبابي الذي ضيع ركلة الجزاء نال من جهته نصيبه من الانتقادات التي اتهمته بفقدان التركيز أثناء البطولة وانشغاله بفكرة رحيله عن البياسجي التي أفقدته توازنه في كل المباريات التي خاضها، ومنعته من هز شباك منافسيه الأربعة في البطولة التي كان فيها سيئا على غرار غريزمان، لكن ديشان لم يجرؤ على وضع ثقته في البدائل التي يتوفر عليها، فكان الأكثر انتقادا لدرجة مطالبته بالرحيل قبل مونديال قطر وتعويضه بزيدان الذي يحظى بثقة الجماهير ووسائل إعلام كثيرة في فرنسا تعتقد بأن المنتخب في حاجة الى نفس جديد وتحفيز جديد يبدأ من تغيير المدرب ويصل الى الاستغناء عن جيرو ورابيو، ولما لا كريم بنزيمة الذي تسبب في تفجير المجموعة التي كانت متلاحمة من دونه قبل عودته عشية انطلاقة البطولة.
فرنسا الكروية هي هكذا، عندما تخسر تبحث عن كبش الفداء اعتقادا من صحافتها ومحلليها بأنها الأقوى والأفضل فتحمل المسؤولية لذوي أصول عربية وأفريقية على غرار بنزيمة ومبابي، مثلما كانت زمان تعتبر زيدان فرنسا عندما فاز بكأس العالم 1998، وتذكرنا بأصوله الجزائرية عندما نطح ماتيرازي في نهائي كأس العالم 2006 وطرده حكم المباراة، في وقت خرج حامل اللقب البرتغال ووصيف بطل العالم كرواتيا بدون ضجيج، وخرجت ألمانيا من المسابقة بدون إساءة لمدربها، واستقال مدرب هولندا بعد الاخفاق في بطولة قلصت الفوارق بين الكبار والصغار، وقلصت من تأثير النجوم، ورجحت قوة اللعب الجماعي واللياقة البدنية والخطط التكتيكية التي صنعت الفارق في عديد المباريات، وقادت أوكرانيا، وجمهورية التشيك وسويسرا والدنمارك إلى ربع نهائي البطولة الأكثر تهديفا عبر التاريخ حتى قبل نهايتها.
حفيظ دراجي
القدس العربي 1 جويلية 2021