إقالات واستقالات وانتقالات المدربين بين الأندية الأوروبية الكبرى، صنعت الحدث وخطفت الأضواء من صفقات اللاعبين نهاية هذا الموسم أكثر من أي موسم آخر في ظاهرة أثارت الكثير من التساؤلات في الأوساط الفنية والجماهيرية والاعلامية، التي أجمعت على ازدياد أهمية المدرب لدى المسيرين ودورهم في تحقيق البطولات أكثر من اللاعبين النجوم الذين لم يتمكنوا هذا الموسم من صناعة الفارق على غرار ميسي ورونالدو ومبابي، الذين لم يتمكنوا من تحقيق سوى بطولة الكأس المحلية رغم تتويجهم بلقب الهدافين في الدوريات المحلية في اسبانيا وايطاليا وفرنسا. واكتفى هداف الدوري الألماني روبرت ليفاندوسكي بتحقيق لقب البطولة، بينما لم يتمكن هداف الدوري الانكليزي هاري كاين من تحقيق أي لقب مع توتنهام، وغاب ثلاثي هجوم ليفربول عن منصات التتويج هذا الموسم.
قد نفهم رحيل المدرب عند انتهاء عقده حتى لو فاز بكأس العالم، ونفهم استغناء الأندية والمنتخبات عن مدربيها عند الاخفاق قبل نهاية عقودهم، لأن المدرب دائما هو الأقرب الى التضحية وهو الأسهل لأنه لا يمكن تغيير كل اللاعبين والاحتفاظ بالمدرب، لكن نهاية هذا الموسم كشفت عن موضة جديدة تفشت من خلال مغادرة مدربين لأندية فازوا معها بألقاب على غرار أنطونيو كونتي وكريستوف غالتييه مدرب ليل، ومدربين لم يفشلوا كليا لكنهم قرروا فسخ عقودهم قبل نهايتها لأسباب تبدو مجهولة للرأي العام مثل زيدان وأنشيلوتي، لكن الأكيد أن الضغوطات الادارية والاعلامية والجماهيرية فعلت فعلتها، والأندية صارت تدرك اليوم قيمة المدرب ودوره في صناعة الفريق، كما أن شح الأموال وقلة اللاعبين النجوم التي أثرت على سوق تحويلات اللاعبين، جعلت كل الأنظار تتوجه نحو المدربين للتضحية بهم أو استقدامهم لصناعة الفارق.
الموضة شملت أكبر الأندية الايطالية بما في ذلك الانتر بطل ايطاليا الذي غادره مدربه أنطونيو كونتي قبل نهاية عقده بسنة، ما سيؤثر على مستقبل النادي بدون شك لأنه لم يكن متوقعا، رغم استقدام سيموني إنزاغي الذي تمت إقالته بدوره من نادي نابولي بسبب إخفاقه في التأهل إلى مسابقة دوري الأبطال وتعويضه بلوسيانو سباليتي، بينما كان ترحيل أندريا بيرلو من اليوفي متوقعا بسبب اخفاقه، وتعويضه بالمدرب الأسبق ماسيمليانو أليغري، في وقت صار رحيل أو بقاء رونالدو في اليوفي أمرا ثانويا في وسائل الاعلام الايطالية، وحتى في الأوساط الجماهيرية قبل نهاية عقده بسنة، وضروريا بالنسبة للإدارة التي ترغب في استعادة ما أنفقته عند استقدامه.
مغادرة زيدان للريال للمرة الثانية بنفس الطريقة بعد 2018، قبل سنة من نهاية عقده صنعت الحدث في إسبانيا وفسحت المجال أمام كل التأويلات والتكهنات بانتقال زيزو الى اليوفي أو انتظار نتائج ديشان في اليورو لخلافته على رأس المنتخب الفرنسي، وفسح المجال أمام عودة كارلو أنشيلوتي الى الريال بعدما كثر الحديث عن أنطونيو كونتي، أو حتى عن ماوريسيو بوتشيتينو الذي يريد الرحيل عن باريس سان جيرمان، ليبقى ترحيل رونالد كومان متوقعا بعد موسم واحد رفض بعده الاستقالة من منصبه، لكن يبدو أن كل شيء متوقف على مدى توفر البديل وما يقرره ميسي في حالة تجديد عقده مع البارسا، في وقت تراجع فيه الحديث في البارسا والريال عن انتقالات النجوم كما جرت العادة، إدراكا منهما بأن المدرب الجيد صار أهم من اللاعب النجم.
في انكلترا تبدو حركة المدربين محدودة لحد الآن، وتقتصر على توقعات بعودة بوتشيتينو الى توتنهام أو التحاق أنطونيو كونتي بالفريق اللندني، في وقت يبدو الحديث عن انتقالات اللاعبين محدودا أيضا مقارنة بسنوات ماضية بسبب الأزمة المالية التي تتخبط فيها كل الأندية والتي تشجع المقايضة مثلما يريد السيتي من خلال الاستغناء عن رحيم ستيرلنغ وغابرييل جيزوس مقابل الاستفادة من خدمات المهاجم الدولي لتوتنهام هاري كاين، بينما لا تزال الأمور غامضة في فرنسا بعد رحيل كريستوف غالتييه عن البطل ليل وترحيل رودي غارسيا من على رأس ليون اثر فشله في التأهل إلى مسابقة دوري الأبطال، في انتظار ما ستسفر عنه قضية بوتشيتينو الذي يريد مغادرة النادي الباريسي بعد ستة شهور من مجيئه.
ظاهرة تغيير المدربين كانت ولا تزال موجودة على كل المستويات وفي كل بلدان العالم، لكنها في أوروبا أخذت هذا الموسم أبعادا وصيغا جديدة بين الرحيل الإرادي والترحيل القصري، سواء عند النجاح أو الاخفاق بقرار من الادارة التي تحمله مسؤولية الاخفاق فتقوم بترحيله، أو بقرار من المدرب ذاته الذي زادت أهميته وقيمته وصار يبحث عن آفاق أخرى في أندية أفضل تمنحه الوقت والمال الوفير، خاصة إذا أدرك صعوبة تكرار الانجاز الموسم المقبل، أو تأكد أن الادارة لن توفر له الموارد المالية التي تسمح له بتدعيم الفريق للحفاظ على مستواه فيفضل الرحيل.
حفيظ دراجي
القدس العربي 2 جوان 2021