كما كان متوقعا فشل رؤساء وملاك الأندية الاوروبية الكبيرة في تحديهم للأسرة الكروية الأوروبية وقرروا تجميد مشروع الدوري السوبر الاوروبي بعد قرار الأندية الانكليزية الستة بالانسحاب تباعا اثر ضغوطات سياسية ورياضية وجماهيرية واعلامية تحالفت كلها لايقاف ما وصف بالزلزال والانقلاب والتمرد الذي قاده رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز، الذي يبدو أنه ورط نفسه وفريقه ومن معه عندما اعتقد بأنه أكبر من كل الهيئات الكروية والسياسية، وأكبر من ارادة عشاق الكرة الذين وقفوا ضد المشروع بخروجهم الى الشوارع في مظاهرات ومسيرات، امتدادا لردود الفعل القوية التي صدرت عن الفيفا والاتحاد الأوروبي والاتحادات المحلية والحكومات وروابط المشجعين وجيوش الصحافيين في كل مكان، ما اضطر كبار القوم الى تجميد المشروع، في وقت اعتبره البعض الآخر تراجعا سيؤدي إلى سقوطه لا محالة!
الاثنى عشر فريقا لم يبق منهم الى غاية أمس سوى ثلاثة، هم البارسا والريال واليوفي، بعد انسحاب أتلتيكو مدريد والانتر والميلان، وقد يبقى فلورنتينو بيريز لوحده، ومع ذلك يعتقد البعض أن كبار القوم في كرة القدم نجحوا في زعزعة أركان الهيئات الكروية القارية والعالمية، وتحسيس الحكومات بالوضع الصعب الذي تعيشه أندية الكرة التي تنفق الأموال وتتعرض للخسائر وأعباء الديون من أجل صناعة المتعة بدون أن تستفيد من عائدات مالية كافية لتغطية تكاليفها المتزايدة أكثر، خاصة مع تفشي وباء كورونا الذي خسرت بسببه المليارات نتيجة تراجع المداخيل وتراكم الديون مقابل تزايد أرباح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي يوزع الريع بحسبهم على اتحادات وأندية صغيرة بحجة تطوير اللعبة، ويمنح الفتات لصناع الفرجة الكروية، لذلك حان الوقت لتغيير هذا الواقع بحسبهم، ومنح جماهير الكرة المتعة التي يستحقونها بدلا من الرداءة المتفشية في المسابقات الحالية.
البعض الآخر ثمن نجاح الاتحاد الأوروبي في إفشال الانقلاب بفعل وقوفه الصارم ضد ما وصفهم بالمتمردين والثعالب والثعابين على حد تعبير رئيسه الكسندر شيفيرين الذي هدد وتوعد باتخاذ قرارات ردعية صارمة على كل الأندية ولاعبيها الذين يشاركون في المسابقة الجديدة بحرمانهم من المشاركة في البطولات القارية والعالمية للمنتخبات والأندية، كما توعدت الاتحادات المحلية بإقصاء الأندية من المشاركة في البطولات المحلية، ودخلت الحكومات على الخط فهددت بإصدار قرار يمنع إجراء مباريات السوبر الأوروبي على أراضيها، وتوعدت بدراسة إجراءات أخرى لحماية اللعبة الشعبية من جشع الكبار، خاصة وأن الفكرة تؤثر على المنافسات القائمة وتخدم الكبار وتزيد من الهوة بينهم وبين الاتحادات والأندية الصغيرة على حد تعبيرها.
المعارضة الكبيرة لمشروع السوبر الأوروبي أدت الى انسحاب الأندية الإنكليزية الستة التي قيل أنها تعرضت لتهديدات الحكومة البريطانية، واغراءات الاتحاد الأوروبي الذي وعدها بمداخيل اضافية لمواجهة الأزمة المالية، لكن أصحاب المبادرة واصلوا عنادهم، وفضلوا الحديث عن تأجيل المشروع، وربما تجميده مؤقتا واعادة تحضيره كما ينبغي حتى لا يصدم عشاق الكرة، وفي ذلك إقرار بأن الجماعة لم تأخذ بالحسبان بعض التفاصيل والجزئيات وردود الفعل المتوقعة، ولم تحضر مشروعها كما ينبغي، بل تسرعت في اطلاقه بشكل مفاجئ، ما أحدث صدمة في الأوساط السياسية الرسمية والفنية والكروية والجماهيرية، بعدما تم تصويره في وسائل الإعلام على أنه انقلاب واعلان حرب وتمرد وتحد، وليس مجرد مشروع وفكرة تمكن مناقشتها.
التجميد أو التراجع أو سقوط مشروع السوبر ليغ ستكون له تداعيات سلبية على الأندية المتمسكة به، خاصة رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز الذي يتعرض لحملة انتقادات واسعة في إسبانيا قد تقوده الى الاستقالة من رئاسة الريال، مثلما حدث مع رئيس المان يونايتد، وقد يحدث مع رئيس اليوفي أندريا أنييلي الذي اضطر الى الاستقالة من رئاسة رابطة الأندية الأوروبية، وسيدفع ثمن تراجع أسهم اليوفي في بورصة الأسهم بنسبة 10%، في انتظار تداعيات أخرى مرتقبة بعدما صبت الصحافة الأوروبية النار على الزيت وراحت تنفخ في الأزمة وتندد بالمشروع الانقلابي كما وصفته، وتحرض روابط المشجعين والجماهير على الخروج إلى الشارع في مسيرات ومظاهرات في انكلترا بالخصوص لحماية لعبة الفقراء من جشع الأغنياء كما صورتها.
الكبار خسروا مباراة ولم يخسروا الدوري، هم أهل كرة ويعرفون بأن السيطرة لا تعني الفوز، وسواء تم تجميد المشروع أو تأجيله أو حتى اسقاطه، فان المعركة ستبقى مستمرة، والتداعيات والتأثيرات لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستكون كبيرة على كل الفاعلين في الكرة الأوروبية وحتى العالمية.
حفيظ دراجي
القدس العربي 22 أبريل 2021