لا أريد أن استبق الأحداث وأعلق على أمر لم يحدث، لكن المعطيات تفرض علينا التطرق لوضعية المدرب الجزائري جمال بلماضي عشية انتهاء العهدة الانتخابية للمكتب الفيدرالي، وقرب رحيل رئيسه خير الدين زطشي وسط شائعات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، نقلا عن أوساط اعلامية مقربة من رئيس الاتحاد، تتحدث عن قرب رحيل المدرب هو أيضا اذا لم يتم تجديد الثقة في خير الدين زطشي، بشكل فيه الكثير من الابتزاز والتخويف والتهديد بالنظر للمكانة التي يحظى بها جمال بلماضي في أوساط اللاعبين والجماهير وحتى وسائل الإعلام، التي أجمعت لأول مرة على كفاءة المدرب وجدارته، لكن التسريبات أثارت الكثير من التعليقات والتأويلات والمخاوف عشية انطلاق تصفيات كأس العالم 2022 المقررة بداية يونيو/حزيران المقبل وحاجة الجزائر الى استمراره واستقرار منتخبها.
المخاوف تزايدت مع قرار جمال بلماضي إلغاء الندوة الصحفية التي كانت مقررة الأحد الماضي عشية انطلاق التربص الحالي، ثم تبددت نسبيا بتصريحه المقتضب قبيل أول حصة تدريب للمنتخب، بدا كعادته صارما، لكن قاسيا مع الصحفيين ورفض الرد على ما يثار من قيل وقال. ثم تصريحه الثاني في المطار عندما تحدث عن أهمية المواجهتين أمام زامبيا وبوتسوانا في مشوار التحضير لتصفيات كأس العالم، ما يؤكد بأنه باق، لكن ذلك لم يمنع استمرار الاشاعات التي راحت تنسج سيناريوهات مختلفة تتحدث عن اشتراط بلماضي بقاء زطشي لمواصلة عمله مع المنتخب، وأخرى تتحدث عن غضبه من وزير الشباب والرياضة ورفضه العمل مع هذا المرشح أو ذاك، وهي كلها أمور لا يمكن أن نبني عليها مواقف وأراء ما دام الرجل ملتزما بعمله وواجباته بطريقة عادية.
بلماضي كان متأثرا ومنشغلا بقرار الاتحاد الفرنسي الأول بمنع اللاعبين الدوليين من الالتحاق بمنتخباتهم بسبب وباء كورونا، قبل أن يطمئن اثر تدخل الحكومة الفرنسية بالغاء القرار، ومع ذلك اتخذ كامل احتياطاته باستدعاء قائمة موسعة ضمت لأول مرة أحمد توبة مدافع فالفيك الهولندي، ورامز زروقي لاعب وسط تفينتي الهولندي، ونوفل خاسف الظهير الأيسر لتونديلا البرتغالي، كما أعاد من خلالها ضم رشيد غزال وأسامة درفلو وهلال سوداني ومهدي زفان إلى تشكيلة المنتخب الجزائري، مقابل استبعاد 7 لاعبين كانوا ضمن القائمة السابقة في نوفمبر/تشرين الثاني، ومن بينهم ياسين براهيمي ومحمد رضا حلايمية وآندي ديلور ومحمد سليم فارس، ما يدل على أن الرجل مستمر في أداء مهامه بنفس الحزم والعزم على تحقيق التأهل الى مونديال قطر والدفاع عن لقبه القاري بعد عشرة شهور.
جمال بلماضي الذي يحمل مشروعا طويل المدى ويحظى بثقة الجميع بشكل لم يسبق له مثيل منذ أيامه الأولى مع المنتخب، سيغادر لا محالة يوما ما، مثل كل مدربي العالم سواء بعد انتهاء عقده، أو بسبب اخفاقه في تحقيق أهدافه، أو عندما يتعرض لضغوطات أو تدخلات في عمله الفني ويشعر بأنه لم يعد مرغوبا فيه، وهي الشروط التي لا تتوافر اليوم، لأن لا أحد يجرؤ على اقالته، سواء الرئيس الحالي للاتحاد أو من يأتي بعده، ما دام يقوم بواجبه على أكمل وجه ويحقق النتائج الجيدة، ويحظى بثقة الجماهير التي كان لها دور كبير في استقدامه في أغسطس/آب 2018 عندما كان خيارا ثالثا أو رابعا لرئيس الاتحاد الجزائري الذي وصفه بـ”المدرب الكرتوني” عندما عرضه عليه أحد أعضاء المكتب الفيدرالي قبل أن يفرض نفسه ويعيد الروح للمنتخب ويتوج باللقب القاري سنة 2019، ويطيل من عمر المكتب الحالي الذي كان عرضة للرحيل في أي لحظة بسبب مهازله المتتالية في التسيير والتقدير.
إخفاقات المكتب الفيدرالي الحالي محليا ودوليا، صارت تشكل أكبر تهديد للمنتخب الجزائري وسط غضب شعبي ورسمي يتصاعد في الآونة الأخيرة، ويتصاعد معه الإصرار من جانب رئيس الاتحاد الجزائري على الاستمرار أو الاستدمار وتحريض المدرب على الرحيل، في وقت سيكون التغيير في تقدير المتابعين سببا في الاستقرار الذي يحتاجه جمال بلماضي لخوض غمار مواعيد مهمة خلال سنة 2021 وبداية 2022، ويكون سببا في تحسين علاقات الاتحاد الجزائري مع الاتحادات الافريقية والهيئات الرياضية الدولية.
من يعرف جمال بلماضي يدرك جيدا بأن الرجل يتحلى بالشجاعة وروح المسؤولية اتجاه بلده وعشاقه، ولن يفرط في مشروع أحياه عندما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بدعم من جماهير وفية رافقته وساندته ووقفت معه لأنها آمنت به وبقدراته، وكفرت بمكتب فيدرالي لم يكن في مستوى تطلعاتها.
حفيظ دراجي
القدس العربي 25 مارس 2021