السقوط المدويّ لفريق برشلونة، الثلاثاء الماضي، على ملعبه برباعية تاريخية أمام فريق باريس سان جيرمان الفرنسي، في ذهاب الدور ثمن النهائي من مسابقة دوري أبطال أوروبا، صنع الحدث في وسائل الإعلام العالمية، بكل ما تمثله النكسة من رمزية تؤكد النهاية الفعلية “لبرشلونة ميسي”، على يد “باريس مبابي” صاحب الثلاثية في مرمى تير شتيغن. وذلك في مباراة بدا فيها البرسا تعيسا وهشا، امتدادا لهشاشة كانت مبرمجة منذ تضييعه لقب “الليغا” لصالح ريال مدريد، وخسارته بالثمانية أمام بايرن ميونخ، وإعلان ميسي عن رغبته في الرحيل، ثم استقالة إدارة الرئيس بارتوميو، ودخوله في أزمة إدارية، مالية وفنية، أدت إلى تراجع أدائه ونتائجه منذ بداية هذا الموسم، وهي كلها مؤشرات لنهاية مرحلة برشلونة الألقاب، وسقوط عرش النادي الذي شغل الدنيا في عهد ليونيل ميسي بإنجازاته وإبداعاته التي جعلت منه فريق بداية القرن بدون منازع.
برشلونة 2021 هو فريق من دون رئيس، بديون تفوق المليار يورو، مركز رابع في الترتيب بفارق عشر نقاط عن أتلتيكو، متأخر عن “الباريسي” بأربعة أهداف في ثمن نهائي دوري الأبطال، متأخر عن إشبيلية بهدفين في ربع نهائي كأس الملك، بعدما خسر كأس السوبر، وخسر قلب هجومه لويس سواريز، في انتظار خسارة نجمه ميسي الذي يزداد قناعة بضرورة رحيله في نهاية الموسم، على أن يستمر ميسي مع فريق لم يبق منه سوى الاسم، منذ خسارته بالثمانية أمام بايرن نهاية الموسم الماضي، مما جعله يفقد عرشه وهيبته وقدرته على الفوز على الفرق الصغيرة في الدوري الإسباني، وجعله فريقاً عادياً لا يلبي طموحات ميسي في إنهاء مشواره الكروي بتتويجات وألقاب فردية وجماعية أخرى أمام منافسة قوية لرونالدو، مبابي، النرويجي هالاند، وكيفن دي بروين، وغيرهم من نجوم المستقبل الذين يخطفون الأضواء، ولن يقدر برشلونة على انتدابهم بسبب أزمته المالية الخانقة.
التعاليق والتحاليل داخل إسبانيا وخارجها راحت تعدد النكسات وتعدد الأسباب، وتحمّل بعضها المسؤولية لميسي الذي تسبب في حدوث الارتباك عندما رفض تجديد عقده و أعلن عن رغبته في الرحيل، الصيف الماضي، وهو الأمر الذي اعتبره البعض سببا مباشرا في كل الأزمات التي دخل فيها الفريق بعد ذلك، بداية من أزمته مع إدارة بارتوميو التي حمّلها البعض مسؤولية الانهيار بسبب فشلها في تسيير النادي، وفشلها في تجديد عقد ميسي والاحتفاظ بلويس سواريز، وقيادتها للفريق إلى الإفلاس المادي بسبب تراكم الديون نتيجة تراجع حجم المداخيل ورفض اللاعبين تقليص أجورهم، من دون أن ننسى الإفلاس الفني بسبب التعاقدات غير الموفقة لنفس الإدارة مع عديد اللاعبين وثلاثة مدربين في ظرف وجيز، كان آخرهم كومان، الذي حمّله البعض الآخر جزءا من مسؤولية التراجع نتيجة خياراته غير الموفقة التي يبررها البعض الآخر بسوء الحظ، نتيجة كثرة الإصابات والغيابات عن التشكيلة منذ بداية الموسم.
بعض المتتبعين يعتبرون تألق أتلتيكو مدريد هذا الموسم سبباً في تراجع برشلونة وحتى الريال في ترتيب الدوري، ويعتبرون توهج “الباريسي” وتألق مبابي في مباراة الذهاب لثمن نهائي دوري الأبطال سبباً مباشراً في المهزلة التي تعرّض لها البرسا، زادها قسوة اعتماد المدرب على المدافع بيكي الغائب عن المنافسة منذ أشهر بسبب الإصابة، واعتماده على لاعبين آخرين مصابين، مستواهم في تراجع مستمر، وتركيزهم منصبّ على رواتبهم التي لم يحصلوا عليها منذ أشهر بسبب الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها الفريق، والتي ستعمق الأزمة أكثر، لأن الفريق لن يكون بمقدوره انتداب نجوم آخرين إلا إذا تخلى عن بعض لاعبيه أو فتح رأس مال النادي لرؤوس أموال أجنبية تفقده هويته “الكتالونية”.ميركاتو
تعددت أسباب الانهيار والنتيجة واحدة، والعواقب واضحة لمنظومة كروية ومؤسسة اقتصادية واجتماعية وتجارية تتجه نحو الإفلاس الفني والمادي، كانت مبنية على الرجل المعجزة ميسي، انهارت بمجرد إعلانه عن رغبته في الرحيل، من دون أن يعرف أي أحد كيف سيكون الحال عند الرحيل الفعلي، لكن الأكيد أن البرسا لن يكون البرسا الذي عرفناه بميسي أو من دونه، وميسي لن يكون ميسي بعد اليوم، سواء رحل إلى “سيتي” أو باريس سان جرمان. فهل سيستمر عشق الجماهير للبرسا، أم سيتراجع ويزول بسبب تراجع النتائج ورحيل ميسي المتوقع؟
حفيظ دراجي
العربي الجديد 20 يناير 2021