الصور التي شاهدتها والمواقف التي عشتها في الأوساط الجماهيرية المصرية قبل وأثناء وبعد مباراة ربع نهائي كأس العالم للأندية في الدوحة بين الأهلي المصري والدحيل القطري، رسخت في ذهني تلك القناعة التي وصلت إليها من زمان، بأن الأمر يتعلّق بعشق فريد من نوعه، نابع عن ارتباط وجداني بلغ درجة الحب الجنوني الناتج عن علاقة روحية متينة بين النادي الأهلي وجماهيره تمتد عبر الزمن وفي كلّ الظروف لدرجة قد توازي ذلك الولاء والوفاء للأوطان والأهل والأحباب، وهي ظاهرة لافتة ينفرد بها عشاق الأهلي، صغاراً و كباراً، فقراء وأثرياء، مثقفين وأميين، ومن الجنسين كانوا في مدرجات ملعب المدينة التعليمية من الذين أسعفهم الحظ في الحصول على تذاكر دخول الملعب، وممن كانت عيونهم وقلوبهم بفرقهم عبر شاشات التلفزيون في مصر وخارجها.
رغم الظروف الصحية والإجراءات الوقائية الصارمة التي فرضتها السلطات القطرية بسبب تداعيات كوفيد 19، إلا أن عشاق الأهلي لم يترددوا في الانتقال إلى مطار الدوحة لاستقبال أعضاء الوفد بحفاوة كبيرة لا نجدها عند بقية الأندية العربية، وتوجهوا يوم المباراة بالآلاف رفقة عائلاتهم وأبنائهم إلى ملعب المدينة التعليمية لتشجيع فريقهم، هتفوا بحياة الأهلي ولاعبيه، وفرحوا للفوز والتأهل الى نصف نهائي كأس العالم للأندية، ثم حاولوا بعد نهاية المباراة الاقتراب من لاعبيهم للتعبير عن فرحتهم واعتزازهم وافتخارهم بفريقهم الذي يمنح لهم أفراحاً فريدة من نوعها، تقودهم إلى عالم آخر من السعادة التي لا تمنحها لهم كنوز الدنيا، ولا تضاهيها أفراح أخرى في كل مجالات الحياة، وكأنهم يعيشون فقط من أجل فريقهم.
الظاهرة استثنائية فعلاً، تجدها في كلّ مكان داخل وخارج مصر، في كلّ وسائط التواصل الاجتماعي، وفي كلّ المناسبات لأنها علاقة حب موروثة أبا عن جد في مصر كّلها عبر كلّ الأزمنة وكلّ الأجيال التي ترى في النادي الأهلي مصدر سعادة وفخر واعتزاز مهما كانت صعوبة الظروف الاجتماعية التي تمرّ بها مصر وشعبها وجمهور الأهلي الذي يعشقه أكثر من نصف الشعب المصري ويضعه في مقام وطن من الواجب الارتباط به والوقوف إلى جانبه مهما كانت النتائج ومهما بلغ حجم الإخفاقات، مثل الأولاد الذين يحبون أولياءهم في كلّ الظروف والأحوال مهما كانت خصالهم وأفعالهم، وهو الأمر الذي أعطى ذلك البعد الروحي للعلاقة بين الأهلي وجماهيره، وأعطى انطباعاً متميزاً ومختلفاً عن نوادي وجماهير أخرى، يعتبرون فريقهم لكرة القدم وسيلتهم لتحقيق الذات والتعبير عن الانتماء.
صحيح أن عشق الأنصار لناديهم قد يؤدي إلى الإحباط عند الخسارة، قد يصلُ إلى درجة التعصّب والتطرف والاندفاع أحياناً، لكن الحب لا يموت والولاء لا ينقص، بل يزيد كلّما زادت الأفراح والإنجازات وتحققت الألقاب المحلية والقارية والدولية التي جعلت من الأهلي فريق القرن في أفريقيا، وصاحب أحد أكبر القواعد الجماهيرية في العالم، من يغادره من اللاعبين والمدربين تصيبه لعنة الغضب الجماهيري التي تفرض عليهم الاستمرار في مغازلة الأهلي والتعبير عن عشقهم واحترامهم للنادي الذي يفتخر بحبه أيضاً الساسة والنخبة والفنانون والمثقفون ويسارعون لكسب ود واحترام جماهيره خوفا على شعبيتهم من التراجع، وخوفا حتى على مراكزهم في مجتمع يخوض في الحديث عن الأهلي والزمالك والكرة أكثر من كلّ مجالات الحياة الأخرى.موقف
الأهلي تحول في نظر عشاقه إلى وطنٍ يستحق كلّ الحب من كلّ مناصر مهما كان سنّه ومركزه وموقعه، وعندما تستمع إلى النجمين السابقين محمد أبوتريكة ووائل جمعة وهما يتحدثان عن الأهلي كمناصرين قبل كونهم لاعبين سابقين تدرك طبيعة العلاقة وحجم الحب الذي يكنّه كلّ عاشق للأهلي حتى ولو كان نجماً، سرعان ما يتحول إلى طفل صغير قد يبكي فرحاً لفوز فريقه، ويبكي حزناً لخسارته، وهي ظاهرة تنفردُ بها مصر الكرة ومصر الأهلي الذي لا يمكن اعتباره مجرد فريق كرة، بل هو كيان وموروث رياضي وثقافي يسكن القلوب والعقول والنفوس.
هكذا هو الحب والولاء والوفاء وإلا فلا.. هكذا هو عشق الأهلي الذي تحول مع الوقت إلى عقيدة يتمسّك بها كلّ أهلاوي، يستمد منها القوة في مواجهة صعوبة الحياة، فتعطيه القوة على التحمل، وتمنح الفريق قوة يواجه بها الخصوم فوق أرضية الميدان.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 6 فبراير 2021