عادت اصابة البرازيلي نيمار أمام ليون بعد تدخل عنيف من مواطنه تياغو مينديز لتشعل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في فرنسا حول الإصابات المتكررة منذ التحاق اللاعب البرازيلي بالبيسجي نتيجة التدخلات العنيفة للمنافسين لدرجة جعلت بعض الإعلاميين الفرنسيين يحملونه المسؤولية بسبب احتفاظه بالكرة واستفزازه للمدافعين بحسب تقديرهم، بينما يعتقد البعض الآخر بأن نيمار هو ضحية خصوصية الدوري الفرنسي الأكثر خشونة وخطورة على اللاعبين المهاريين الذين يتعرضون لتدخلات عنيفة كل مرة، في ظل تسامح الحكام الفرنسيين أمام الخشونة المفرطة للمدافعين خاصة اتجاه النجوم الذين يشعرون بانعدام الحماية في الملاعب الفرنسية مقارنة بدوريات أخرى يتحلى فيها الحكام بالصرامة اتجاه اللاعب العنيف الذي يستعمل الخشونة في تدخلاته أمام المنافس.
الفحوصات الطبية الأولية المعمقة كشفت عن اصابة طفيفة لنيمار على مستوى الكاحل تبعده عن الملاعب لأسبوعين أو ثلاثة فقط، يعود بعدها الى المنافسة بداية من السنة الجديدة، لكن ذلك لم يمنع المحللين في فرنسا من تحميل مسؤولية تكرار الاصابات لنيمار بسبب إفراطه في الاحتفاظ بالكرة واعتماده المراوغة بكيفية مستفزة للخصوم في مباريات دوري يتسم أصلا بالخشونة والاندفاع البدني والاعتماد على نمط لعب يستند على الجانب التكتيكي بشكل كبير مقارنة بالدوري الاسباني مثلا، الذي لم يكن يتعرض فيه النجم البرازيلي للإصابات مع برشلونة، ولم يتعرض فيه ميسي ورونالدو الى تدخلات عنيفة وإصابات متكررة كما يحدث لنيمار في فرنسا، لأن الدوري الاسباني مفتوح أكثر من نظيره الفرنسي، وحكامه يتحلون بصرامة كبيرة في حماية البراعة الفنية.
والد نيمار خرج عن صمته معتبرا أن ابنه ضحية وليس مذنبا، وتحميله مسؤولية تعرضه للعنف العمدي بسبب إفراطه في الاحتفاظ بالكرة والمراوغة هو أمر غير معقول، لم يسمع به في أي بلد أوروبي آخر قبل اليوم، خاصة وأن الاحتفاظ الفردي والجماعي بالكرة صار أسلوب لعب حديث تنتهجه الأندية الكبيرة، والمراوغة هي ميزة مفيدة للاعبين والأندية لتجاوز المنظومات الدفاعية للخصوم لا يقدر عليها سوى أصحاب المهارات العالية، ناهيك عن كونها واحدة من عوامل المتعة الكروية للأنصار والمشاهدين، لا يمكن الاستغناء عنها في الكرة الحديثة بحجة تجنب التدخلات العنيفة والتعرض للإصابات، خاصة وأن الأمر يتعلق بلاعب برازيلي رأسماله مهارته الفردية التي تسمح له بتجاوز المدافعين عن طريق المراوغة حتى ولو كانت مهينة للخصوم أحيانا ومستفزة أحيانا أخرى.
بعض المحللين الآخرين لم يترددوا في تحميل المسؤولية للحكام الفرنسيين الذين لا يفرقون بين التدخلات القوية والعنيفة والخطيرة، حتى أن حكم مباراة باريس سان جيرمان مع ليون اضطر للعودة إلى تقنية الفيديو للتاكد من التدخل العنيف للاعب ليون تياغو مينديز رغم وضوح اللقطة التي ستبعد نيمار عن الملاعب لبضعة أسابيع تضاف الى سلسلة غياباته السابقة بسبب تعرضه للاصابات الطفيفة التي حرمته من المشاركة في 5 مباريات من أصل 12 في دوري هذا الموسم ومباراة واحدة في دوري الأبطال، وربما تسببت في تلقي الفريق للخسارة الرابعة التي جعلته يتراجع الى المركز الرابع في الترتيب العام للدوري الفرنسي.
للتذكير فان الاصابة أمام ليون هي الثالثة من نوعها للاعب البرازيلي منذ انضمامه الى البيسجي سنة 2017. كانت أولها في فبراير/شباط 2018 أمام مارسيليا أبعدته عن الملاعب لثلاثة شهور بسبب كسر، وجاءت الثانية بعد سنة في يناير 2019 أمام ستراسبورغ لنفس السبب وأبعدته لنفس المدة، قبل أن يتعرض مع منتخب بلاده لاصابة ثالثة صيف 2019 ضد منتخب قطر في مباراة ودية، منعته من المشاركة في مسابقة كوبا أميريكا بالبرازيل، وكلها كانت إصابات ناتجة عن تدخلات عنيفة من منافسيه في محاولاتهم لايقافه والرد على استفزازاته الفنية التي تثير نرفزتهم عندما يتلاعب بهم على طريقته البرازيلية.
مهما كانت التحليلات والتفسيرات لا يمكن تبرير التدخلات العنيفة على نيمار وغير نيمار، حتى ولو كان اللاعب في حد ذاته ضحية ومذنب في الوقت ذاته، أمام مدافعين مذنبين في عنفهم، وضحايا لمراوغاته في الوقت ذاته، لأن أصل الكرة هو فرجة ومتعة ومهارة كروية، وجمالها في مراوغات نيمار وميسي ورونالدو، وأهدافهم الجميلة، وفي تصديات المدافعين والحراس لتلك المهارات، لكن يبقى أن الدوري الفرنسي هو من أصعب الدوريات على اللاعبين المهاريين الذين لا يجدون المساحات ولا الثغرات لصناعة الفارق جماعيا فيلجأون الى الحلول الفردية والمراوغات، بينما يلجأ المدافعون إلى كل الطرق لايقاف المهاجمين بما في ذلك استعمال القوة والخشونة والعنف أحيانا، وهي كلها جزء من مكونات اللعبة.
حفيظ دراجي
القدس العربي 17 ديسمبر 2020