في وقت راح الأرجنتيني ليونيل ميسي يصنع الحدث في تورينو بتألقه وصناعة فوز فريقه برشلونة الإسباني على اليوفي في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا، صنع البرتغالي كريستيانو رونالدو بدوره الحدث في إيطاليا دون أن يشارك في مباراة فريقه بسبب إصابته بفيروس كورونا ودخوله في حجر صحي اعتبره مسخرة وهراء في تغريدة منشور على حسابه في “تويتر” الذي يتابعه 24 مليون شخص.
لكن سرعان ما مسحها بعد ذلك بنصيحة من إدارة النادي ومقربيه، في وقت تجتاح إيطاليا وأوروبا موجة أخرى من العدوى أشد قساوة وصعوبة، مما أثار جدلاً وردود فعل منددة في الأوساط الكروية والطبية التي راحت تقارن تصرف رونالدو بتصرفات مسؤولة لنجوم آخرين على غرار لاعب ميلان زلاتان إبراهيموفيتش الذي كثف في نفس الوقت حملة التوعية في مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، دعا فيها إلى ضرورة احترام الإجراءات الوقائية المفروضة والالتزام بتوصيات السلطات والمنظمات الصحية العالمية في مواجهة كورونا.
رونالدو الذي لم تطأ قدماه ملاعب الكرة منذ الحادي عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع منتخب بلاده ضد فرنسا في دوري الأمم الأوروبية، ودخل في حجر صحي وفوت على نفسه مواجهة ميسي والبارسا في دوري الأبطال، يبدو أنه تأثر بالغياب عن الملاعب، لكنه في نظر المتابعين لم يكن في مستوى سمعته وشهرته وشعبيته التي تقتضي منه التحلي بالحيطة والحذر وروح المسؤولية في تصريحاته الإعلامية عوض الاستهتار والتقليل من خطورة الفيروس مثلما صرح به روبرتو بوريوني مدير أحد مستشفيات ميلانو المتخصص في معالجة الفيروسات، الذي استهزأ بدوره بالبرتغالي، وندّد بتغريدته قائلاً: “إنه قوي وغني لا يمكنه أن يؤمن بخطورة الفيروس”، مضيفاً “أرحب بك يا زميلي رونالدو في مجموعتنا المتكونة من اختصاصيين في علم الفيروسات”، في إشارة واضحة إلى استهزاء النجم البرتغالي بالحجر الذي فرض عليه.
إدارة يوفنتوس من جهتها أدركت حجم السقطة التي وقع فيها نجمها، وحاولت التخفيف من وقعها ووطأة الجدل الذي خلفته والتقليل من تأثيراتها عن طريق نيدفيد نائب الرئيس، الذي تفهم الظروف التي يمر بها نجم الفريق الغائب عن مباريات فريقه، وفسر تغريدته بالحنين إلى مداعبة الكرة ومساعدة رفقائه في يوفنتوس بمبارياتهم التي يخوضونها من دونه، وأنه كان دائماً يشارك في حملات التوعية والتحذير من خطورة الفيروس، ولا يمكن لنجمه على حد تعبيره الاستهتار بالإجراءات الوقائية، أو الاستهزاء بالجهود العالمية المبذولة لمواجهة الجائحة، التي قتلت الآلاف في أوروبا وإيطاليا بالخصوص، ومنعت الناس من ممارسة طقوسهم، وحرمت الجماهير من حضور مباريات الكرة منذ شهر مارس/ آذار الماضي.كرة عالمية
بقدر ما كانت إبداعاته وأهدافه فوق ميادين الكرة كبيرة ومذهلة، بقدر ما كان تصريح رونالدو مفاجئة وغير موفقة تماماً، خاصة أن الحكومات والمنظمات الصحية العالمية كانت وما زالت تعول على نجوم الرياضة والفن والسينما وكل المشاهير في حملات التوعية التي تقوم بها منذ بداية تفشي الوباء العالمي، الذي أصاب 45 مليون شخص وقتل أكثر من مليون عبر العالم، وكانت بلدان أوروبا أكثر المتضررين بمليون ومئتي ألف مصاب و 120 ألف ضحية، من بينهم 38 ألف حالة وفاة في إيطاليا التي يقيم ويلعب فيها البرتغالي، وهي الأرقام التي تجاهلها كريستيانو في تغريدته التي استهزأ فيها بكورونا وخطورته.
وكشف تصريح رونالدو عن أنانيته المفرطة من دون أدنى اعتبار لمشاعر المصابين وعائلات الضحايا، ومن دون أدنى تقدير لمجهودات وتضحيات قطاع السلك الطبي وشبه الطبي الذي فقد بدوره الآلاف من العاملين به.
رونالدو الذي يحظى بشعبية جارفة ويتابع حساباته أكثر من 400 مليون شخص خسر نقاطاً سيكون مطالباً بتعويضها فوق ميادين الكرة، من خلال قيادة يوفنتوس نحو تحقيق الانتصارات، وتعويضها خارج الميادين عبر حساباته خاصة في “إنستغرام”، الذي غرد فيه مستهتراً بالوباء والفحص والحجر والحظر أمام 241 مليون متابع في وقت بلغ فيه عدد المصابين البارحة على سبيل المثال رقماً قياسياً وصل إلى نصف مليون شخص في العالم في يوم واحد، يوجد من ضمنهم الآلاف من عشاقه ومتابعيه الذين يحتاجون إلى فحوصات وعلاج ودعم معنوي ومادي لتجاوز محنة ما بعدها محنة تقتضي مزيد من الالتزام بالإجراءات الوقائية، ومزيد من حملات التوعية من رونالدو وأمثاله من المشاهير.
“صاروخ ماديرا” صاحب أكثر من 700 هدف استمتع بها عشاقه في سبورتينغ لشبونة واليونايتد والريال واليوفي والمنتخب البرتغالي تماثل للشفاء البارحة، وسيعود لممارسة هوايته في تسجيل الأهداف، لكنه صار مطالباً بتسجيل أهداف من نوع خاص بواسطة تغريدات في وسائط التواصل الاجتماعي لمحو آثار تغريدة قام بمسحها بسرعة لإرضاء هؤلاء العشاق.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 31 أكتوبر 2020