وأخيرا رحل الرئيس جوزيب ماريا بارتوميو عن برشلونة بعد الاجتماع الطارئ الثاني لمجلس إدارة النادي الذي عاش ضغوطات إعلامية وجماهيرية كبيرة منذ بداية الصيف الماضي، زادتها حدة خسارة الفريق في الكلاسيكو بالثلاثة وتراجع أداء ميسي ورفاقه، وغذتها تخوفات كبيرة من امكانية رحيل النجم الأرجنتيني ليو ميسي في نهاية الموسم لو استمر الرئيس في منصبه إلى نهاية عهدته في شهر مارس/آذار المقبل، خاصة بعدما أعلن صراحة في ندوته الصحفية التي أعقبت الاجتماع الأول لمجلس الادارة الاثنين الماضي بأنه لا يمكن تنظيم تصويت سحب الثقة في الظروف الصحية الحالية، حفاظا على سلامة الأعضاء المصوتين، وبأن الوقت غير مناسب ولا يوجد أي سبب لرحيله الذي سيعمق، في نظره، من متاعب النادي، لأن اللجنة المؤقتة التي ستخلفه لن يكون بمقدورها اتخاذ قرارات مصيرية إلى غاية انتخاب رئيس جديد.
بارتوميو ذكرنا بالتبريرات التي كان ولا يزال يقدمها الحكام والمسؤولون العرب للتشبت يمناصبهم، وأكد بأنه كان يعيش في كوكب آخر قبل أن ينزل إلى كوكب الأرض في اليوم التالي ويستدعي اجتماعا ثانيا طارئا لمجلس الادارة يعلن فيه استقالته، ويقر ضمنيا بأنه حان الوقت المناسب للرحيل ولم يعد يوجد أي سبب لبقائه، بعدما بلغ حجم الخسائر أكثر من 200 مليون يورو في زمن كورونا، واستهلك ثلاثة مدربين في ظرف موسمين وخرج أمام البايرن في ثمن نهائي دوري الأبطال بالثمانية، وأخفق في تجديد عقد ميسي، وخسر في الكلاسيكو بالثلاثة على ميدانه، وفشل في الكثير من الصفقات التي أبرمها مع لاعبين لم يقدموا الاضافة للنادي على غرار غريزمان ودمبيلي وبيانيتش، ثم مطالبته للاعبين بتخفيض رواتبهم، ما أثر على معنوياتهم وساهم في تراجع مردودهم منذ بداية الموسم، حيث تعرض الفريق لخسارتين متتاليتين وتعادل واحد من أصل خمس مباريات لعبها لحد الأن.
صحيح أن رحيل بارتوميو الآن سيؤدي الى تشكيل لجنة تسيير مؤقتة لن يكون بمقدورها اتخاذ القرارات المصيرية إلى غاية انتخاب رئيس جديد بعد أكثر من أربعين يوما وقبل ثلاثة شهور من الأن، لكن على الأقل سيجنب مجلس الإدارة اهانة كان سيتعرض لها لو تم تنظيم الاستفتاء وسحبت منه الثقة، ويفتح الباب من أجل تجديد عقد ميسي واستمراره مع البارسا، وبالتالي اعادة السكينة الى فريق لم يتعود على المتاعب والمصاعب الادارية والمالية وحتى الفنية، لكن مؤيدي بارتوميو اعتبروا الصعوبات الفنية بالخصوص، أمرا عاديا يعود الى تداعيات نهاية جيل وبداية مرحلة جديدة منذ رحيل بويول وتشافي وإنييستا، وأخيرا راكيتيش وسواريز، ويجب إعطاء الوقت لفاتي وبيدري وترينكاو والمدافع الأمريكي ديست والجيل الجديد الذي سيرفع لواء الفريق الكتالوني مستقبلا، خاصة بعد رحيل ميسي أو انتهاء مشواره الكروي آجلا أو عاجلا.
كل الأنظار صارت موجهة الأن نحو ميسي الذي كان يأمل في رحيل مجلس الادارة الحالي كأحد شروط التفاوض من أجل الاستمرار مع فريق العمر، لكن الرجل سيلتزم الصمت كعادته على الأقل في المرحلة الحالية، وقد “يتغول” ويفاوض من موقع قوة في الظرف الحالي أو يصل الى درجة اشتراط رحيل المدرب كومان انتقاما لرفيقه الاوروغواني لويس سواريز الذي رحل بداية الموسم بطلب من الهولندي بدون استشارة ميسي وبدون إيجاد البديل اللازم، لدرجة صار الفريق يلعب بدون قلب هجوم صريح وبدون روح، ما جعل المدرب في موقع ضعف قد يكلفه الرحيل في أقرب فرصة، خاصة اذا أخفق في اعادة البسمة الى عناصر فريقه وفشل في تحقيق نتائج جيدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
كل الاحتمالات تبقى واردة اليوم بعد انتصار ميسي على بارتوميو، بما في ذلك استمرار إصرار ميسي على الرحيل بعدما تحول إلى طرف في مشكلة النادي، وهو الذي كان مصدرا لكل الحلول الفنية فوق الميادين على مدى خمسة عشر عاما، في وقت ستصارع الإدارة المؤقتة الزمن ونوايا ميسي من أجل تنظيم انتخابات مجلس الإدارة في أقرب وقت ومن ثم الاسراع في التفاوض مع نجمها لتجديد عقده، لأن الفريق غير جاهز لمرحلة ما بعد ميسي في الوقت الراهن ولا يمكن تصور الأرجنتيني بقميص فريق آخر غير البارسا.
الكل كان يسأل البارحة متى سيرحل بارتوميو؟ والكل صار يسأل اليوم هل سيستمر ميسي؟ وكيف السبيل لاقناعه بالبقاء؟ خاصة وأن لا أحد من عشاق البارسا يتصور فريقه بدون ميسي الذي سيرحل يوما بدون شك، مثلما رحل مارادونا وكرويف ورونالدينيو ورونالدو وغيرهم من النجوم، وبقي البارسا معشوق الملايين وصانع متعة كل المتابعين.
حفيظ دراجي
القدس العربي 29 أكتوبر 2020