عادت عجلة الكرة إلى الدوران في أوروبا وسط مفارقة غريبة تتعلق بالدوري الإنكليزي الممتاز الذي انطلق من دون نشاط كبير في سوق الانتقالات، ودون استقطاب النجوم الكبار الذين ينشطون في مختلف الدوريات الكبرى على غرار مبابي ونيمار في فرنسا، ورونالدو في إيطاليا وميسي وهازارد في إسبانيا، رغم أن السيتي كان قريباً من تحقيق صفقة القرن باستقدام ليو ميسي، لو أصرّ على موقفه بمغادرة برشلونة، ورغم فتح تشلسي لخزائنه من أجل تدعيم صفوفه بلاعبين مميزين، لكنهم ليسوا نجوماً كباراً مثل البلجيكي إيدن هازارد الذي غادره الموسم الماضي، ما أثار تساؤلات فنية وإعلامية في الأوساط الكروية عن هذا التوجه الجديد للنوادي الإنكليزية التي تزخر في المقابل بجيل متميز من اللاعبين المحليين والأجانب الذين يصنعون أمجاد الفرق الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وتسعى إلى الظفر بخدماتهم كبريات الأندية من دوريات أخرى.
هل هو خيار فني جديد، أم هو أمر واقع فرضته الظروف المادية للكثير من الأندية؟ هل هو توجه جديد نحو صناعة النجوم عوض استقطابهم؟ هل هو أمر ظرفي من باب الصدفة، أم يعود إلى عدم توافر النجوم في سوق التحويلات؟ البعض يذهب إلى القول إن إنكلترا لم تعد تستقطب النجوم، بل تصدّرهم بعدما تصنعهم مثلما فعلت مع محمد صلاح وساديو ماني ورياض محرز وغيرهم من الذين صاروا نجوماً كباراً عندما التحقوا بالأندية الإنكليزية، ومثلما فعلت سابقاً مع رونالدو الذي التحق بالمان يونايتد، قادماً من لشبونة كلاعب عادي قبل أن يصبح نجم النجوم والأفضل في العالم، وفعلت مع ديديه دروغبا وإيدن هازارد في تشلسي، من دون الحديث عن اللاعبين المحليين من الجيل الصاعد الذين يفضلون البقاء في أفضل دوري في العالم أين يحصلون على أفضل الرواتب والحوافز دون الحاجة إلى اللعب في إسبانيا أو إيطاليا وفرنسا وألمانيا.
البعض يعتقد أن الأمر ليس جديداً والأندية الإنكليزية لم تعد مهتمة بالنجوم الكبار من زمان، حتى إن الدوري الإنكليزي لم يحصل لاعبوه إلا على كرتين ذهبيتين خلال الخمسين سنة الماضية بفضل مايكل أوين سنة 2001 حينما كان في ليفربول، وكريستيانو رونالدو سنة 2008 حينما كان ينشط في المان يونايتد، ومع ذلك كانت نواديه تنافس على دوري الأبطال، كما أن قيمته الفنية وسمعته في السوق صارتا أكبر من أن يعتمد فقط على النجوم الأجانب لكي يسوق لنفسه مثلما يفعل الدوري الفرنسي الذي كان بحاجة إلى بيكهام وإبراهيموفيتش ومبابي ونيمار ودي ماريا حتى يصنف ضمن الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، ويستقطب الجماهير والإشهار ويبيع حقوق البث التلفزيوني بأسعار باهظة.موقف
الدوري الإنكليزي لم يعد يستند إلى النجم الأوحد، بل صار يستند إلى مشاريع جماعية، والمشاريع ترتكز على مدربين كبار يعوَّل عليهم، على غرار مشروع غوارديولا في السيتي ويورغن كلوب في ليفربول، أنشيلوتي ومورينيو في إيفرتون وتوتنهام، دون أن نغفل عن مشروعين كبيرين مقبلين مع لامبارد في تشلسي وأرتيتا في أرسنال، في وقت تعطلت فيه عجلة المان يونايتد الذي لم يتمكن من العودة إلى الواجهة حتى عندما استند إلى نجومية إبراهيموفيتش وبول بوغبا، فراح يعتمد حالياً على صناعة نجوم جدد على غرار راشفورد، غرينوود، ماكتوميناي والبرتغالي فرنانديش الذي سرق الأضواء في ظرف وجيز، ويحاول من خلالهم المدرب النرويجي سولشاير التأسيس لمشروع فريق جماعي يعيد به أمجاد الماضي دون الحاجة إلى الإنفاق الكبير.
النجوم في إنكلترا صاروا يقبعون في كرسي البدلاء، يجسده المدربون، لا اللاعبون فوق الميادين، لذلك لجأت الأندية إلى إعطاء الأولوية لانتداب المدرب الذي يحمل مشروعاً، لا للنجم الكبير الذي قد يشكل همّاً وعبئاً فنياً ومادياً، وربما إعلامياً وجماهيرياً، رغم الإمكانات المادية الكبيرة التي تتوافر عليها أغلب الأندية الإنكليزية التي تعتبر الأغنى في أوروبا، والأكثر قدرة على استقطاب ميسي ونيمار ومبابي ورونالدو، لكنها تفضل صناعة مشاريعها ونجومها من خلال أكاديمياتها واستثماراتها في لاعبين لا يكلفون الكثير، لكن مردودهم الفني والمادي لا يقل شأناً عن غيرهم من الأسماء التي لا تضمن بالضرورة تحقيق البطولات والألقاب.
الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا بكل تداعياتها على المداخيل والإيرادات، تحفز كل الأندية الإنكليزية اليوم على اعتماد سياسة المشروع اللازم حول المدرب الملائم، بدلاً من بناء مشروع هش يستند إلى اللاعب النجم الأوحد، ولو كان ميسي أو رونالدو أو نيمار.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 26 سبتمبر 2020