إضافة الى الخسائر البشرية التي يقترب عددها من مليون حالة وفاة من أصل 30 مليون مصاب في العالم لحد الآن جراء انتشار فيروس كورونا، بدأت الحكومات والمنظمات والهيئات الدولية تحسب الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد العالمي الذي دخل في ركود غير مسبوق منذ بداية السنة، سيكلف حسب صندوق النقد الدولي خسائر تقدر بتسعة تريليونات دولار مطلع السنة المقبلة في كل مجالات الحياة، خاصة قطاعات الخدمات والتجارة والسياحة، وحتى الصناعة والفلاحة، وكذلك اقتصاد كرة القدم الذي سيخسر ما يقارب 11 مليار دولار من العائدات بحسب آخر تقرير للاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب توقف أو تأجيل المسابقات، الذي أدى إلى تراجع إيرادات الإشهار وحقوق البث التليفزيوني وموارد بيع تذاكر حضور المباريات، ما ينعكس بالسلب على عالم الكرة خلال السنوات القليلة المقبلة إذا لم يتراجع تفشي الفيروس عبر العالم، ولم تعد الكرة تدور كما كانت سابقا.
أرقام الخسائر المتداولة اليوم في كل وسائل الإعلام تبدو رهيبة على عالم الكرة الذي يعتبر مصدر دخل مليار نسمة بحسب تقديرات المختصين، ما أدى بكل الاتحادات القارية والمحلية في العالم الى طلب الاغاثة من الفيفا لأجل دعمها بمخصصات مالية تسمح لها بالتنفس وتخفيف الأضرار، وهو الأمر الذي وافقت عليه الهيئة الدولية فخصصت 1,5 مليار دولار لدعم الاتحادات التي تراجعت مداخيلها بشكل لم يسبق له مثيل، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والاتحادات المحلية لأقوى الدوريات، حيث يتوقع أندريا أنييلي رئيس رابطة الأندية الأوروبية خسائر بقيمة أربعة مليارات يورو ستتكبدها الأندية الأعضاء في الرابطة على مدى عامين، بينها مليار ونصف مليار دولار نتيجة إقامة مباريات من دون جماهير وتوقف عمليات بيع التذاكر، بدون إغفال تراجع مداخيل حقوق البث التليفزيوني للأندية التي توقفت مسابقاتها الموسم الماضي.
يوفنتوس الإيطالي لوحده خسر ما يقارب 71 مليون يورو رغم توفيره لمبلغ 90 مليون يورو بفضل اتفاقه مع لاعبيه على تخفيض رواتبهم، وشهدت مداخيل أغنى الأندية البارسا والريال والمان يونايتد تراجعا كبيرا حرمها من دخول سوق الانتقالات الصيفية، بل فرض عليها الاستغناء عن الكثير من لاعبيها لاحداث التوازن المالي ومواجهة أزمة قد تطول، ما أدى الى لجوء أندية إنكليزية وألمانية وفرنسية الى مطالبة حكوماتها باقرار عودة الجماهير إلى مدرجات الملاعب لأن استمرار غيابها سيكلف أندية الدوري الممتاز في انكلترا مثلا خسائر تفوق المليار يورو خلال الموسم الجديد خاصة بعد قرار الحكومة تأجيل السماح بالحضور الجماهيري للمباريات.
كل المؤشرات تنذر بمخاطر ستكون كبيرة بسبب الضبابية التي تسود المشهد الكروي العالمي خاصة على مستوى الدوريات الأوروبية الكبرى التي يشكل فيها اقتصاد الكرة مصدر رزق الملايين بطريقة مباشرة وغير مباشرة، حيث تساهم صناعة كرة القدم في إسبانيا مثلا بما يقارب 7 مليارات يورو من الناتج المحلي، على غرار انكلترا وايطاليا وألمانيا وفرنسا التي تضررت أكثر من التعليق القصري للنشاط الكروي الذي أدى الى تخفيض ساعات العمل وخسارة وظائف مختلفة، وبالتالي تراجع المداخيل. أما في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا فالتداعيات كانت أكبر وستكون أخطر من جوانب مادية، وخاصة اجتماعية، لأن الكرة لديها مصدر رزق الملايين، ومخدر قوي المفعول لشعوبها التي تجد في الكرة موردا ماليا ومتنفسا ينسيها همومها ومتاعبها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتراجع الاستثمارات جراء انخفاض مداخيل البلدان المنتجة للنفط بسبب تراجع الأسعار، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغلاء المعيشة، وتفشي الفقر نتيجة كل الأزمات الاقتصادية التي مرت بها الشعوب لم يكن لها نفس التأثير النفسي والاجتماعي مثلما هو الحال اليوم بسبب توقف وتأجيل مسابقات الكرة كظاهرة اجتماعية ووسيلة تسلية وترفيه للكثير من الشعوب التي عادت إليها الروح بمجرد استئناف ولو جزئي لنشاط الكرة الذي ساهم معنويا في بعث الأمل في النفوس بعدما تأثرت بظروف الحجر والحظر والعدوى بفيروس كانت تداعياته السلبية أكبر من مخلفات كل الأوبئة وكل الحروب والكوارث الطبيعية التي حلت بالأمم والشعوب والدول والمؤسسات والأسر والأفراد على مر التاريخ.
التوقعات تشير الى خسائر أخرى يتعرض لها اقتصاد الكرة ستصل الى 20 مليار دولار في المجموع، لو استمر انكماش سوق الانتقالات كما كان عليه في الميركاتو الصيفي، واستمر الغياب الجماهيري عن حضور المباريات، وعم هاجس الخوف من مخاطر الفيروس وتداعياته على نشاط حيوي كان إلى وقت قريب يدر المليارات على البشرية ليتحول إلى عبء على الفيفا والاتحادات القارية وحتى الحكومات التي ستضطر الى مرافقة الأندية و تعويض الخسائر، أما إذا توقفت الدوريات مجددا وتأجلت مسابقات كرة القدم المحلية والقارية والعالمية فإن الخسائر ستتضاعف.
حفيظ دراجي
القدس العربي 24 سبتمبر 2020