بعد أيام من الشدّ والمد خرج الأرجنتيني ليونيل ميسي عن صمته ليعلن بنفسه البارحة استمراره مع نادي برشلونة الإسباني دون الخوض في التفاصيل والجزئيات، ولا في نتائج المحادثات أو حتى الإشارة إلى تفاصيل الاتفاق، حيث كان التصريح من حيث الشكل مقتضباً من طرف اللاعب مباشرة وليس من إدارة النادي، بينما من حيث المضمون كان موجهاً إلى جماهير الفريق بسهام أصابت الرئيس جوسيب بارتوميو، وعد فيه ببذل الجهد من أجل تحقيق الألقاب، وحمّل مسؤولية ما حدث لإدارة النادي ورئيسه الذي أبلغه مراراً برغبته في الرحيل لكنه لم يف بوعده حسب قوله. مضمون التصريح يلقي الكرة في مرمى الإدارة ويزيد الضغط عليها خلال الفترة المقبلة التي ستكون صعبة على الرئيس ومجلس الإدارة المطالب الآن بإقناع ميسي بضرورة تجديد العقد لموسمين أو ثلاثة وهي المأمورية التي تبدو صعبة، بل مستحيلة إلا إذا رحلت الإدارة قبل نهاية السنة.
ميسي أعلن استمراره إلى غاية نهاية عقده، لكن الأزمة لا تزال قائمة، والغموض والضبابية يكتنفان مستقبل اللاعب مع فريقه، هل سيجدد ويمدد عقده لسنوات أخرى أم يرحل في نهاية الموسم الجاري حيثما يريد دون الحاجة إلى دفع الشرط الجزائي؟ وهل قبل برشلونة بالأمر الواقع أم سيعود لاحقاً للتفاوض بشأن العقد الجديد؟ أم أن ميسي هو الذي استسلم بعدما أدرك أن الرحيل مستحيل من دون مقابل ولن يربح المعركة القضائية التي تخرجه من الباب الضيق؟ أما السؤال الأكبر فيبقى قائماً بخصوص موقف “البرسا” من قرار ميسي، وموقفه من مضمون التصريحات التي تدين إدارة النادي ورئيسه بارتوميو الذي حمّله ميسي مسؤولية كل الذي حدث؟
صحيح كلّ المؤشرات كانت توحي بأنّ ليو ميسي سيلتزم بعقده مع “البرسا” إلى غاية صيف 2021 ولن يدخل في حرب قضائية مع النادي كما صرح، لكنه أبقى على الغموض سائداً بخصوص التجديد والشرط الجزائي ومصير الأوروغوياني لويس سواريز وعلاقته مع المدرب الهولندي رونالد كومان، ومستقبله بعد نهاية الموسم. أغلب الظن أنّ الرجل سيرحل لو بقي بارتوميو رئيساً، هو الذي سيعيش ضغطاً كبيراً خلال الأيام المقبلة قد يؤدي إلى التضحية به من أجل عيون ميسي قبل انتخابات شهر مارس/ آذار من السنة المقبلة، بعدما صار من الصعب استمرار التعاون بين اللاعب والرئيس، مما سينعكس سلباً على الوضع داخل النادي الذي صار بحاجة إلى الاستقرار للعودة إلى سكة الانتصارات وتجاوز المرحلة الصعبة التي يعيشها.
في انتظار خروج الرئيس عن صمته للردّ على تصريحات ميسي لا يزال الكلّ يتساءل ماذا حدث بالتفصيل، ما الذي أدّى إلى الانتقال في ظرف عشرة أيام من مرحلة الإصرار على الرحيل إلى التراجع عنه؟ هل كان ميسي مخيراً أم مسيراً في البقاء أو الرحيل؟ هل سيواصل عن طواعية بإرادته أم مضطراً بسبب إصرار إدارة “البرسا” على بقائه؟ أم بسبب قيمة الشرط الجزائي؟ كيف ستكون علاقة ميسي بمدربه وزملائه ومسيريه وجماهير النادي؟ وكيف سيكون مردوده ومعنوياته بعد الزوبعة التي هزت أركان البيت الكتالوني وأثرت عليه نفسياً؟ أما السؤال الأهم فهو لماذا تراجع ميسي خاصة أن والده لا يزال يصرّ على أن رحيل ابنه لم يعد يخضع لدفع الشرط الجزائي في وقت جددت رابطة “الليغا” مساندتها “البرسا” في موقفه بدفع الشرط الجزائي مقابل الرحيل، وهو الأمر الذي لا يقدر عليه أي ناد حالياً؟
ميسي سيكمل عقده لكن بأي حال سيستمر خاصة إذا تأكد رحيل صديقه سواريز؟ وكيف سيكون آخر موسم لميسي مع “البرسا”؟ وكيف سيكون حال “البرسا” بعد ميسي؟ كلّ شيء سيتوقف على مصير بارتوميو، إذا رحل سيفتح باب المفاوضات من أجل التجديد، أما إذا استمر لغاية نهاية السنة فإن ميسي لن يفاوض الإدارة الحالية وسيرحل حرا ًنهاية الموسم المقبل، ويعلن عن نهاية واحدة من أجمل حكايات كرة القدم الحديثة بطريقة لا تليق باللاعب والنادي على حد سواء. بارتوميو ربح معركة لكن ميسي صفّى حساباته مع الرئيس وسيربح الحرب في النهاية ويغادر مثلما يريد، ليبقى الخاسر الكبير هو فريق برشلونة الذي لم يحضّر نفسه لما بعد ميسي وسيخسر الكثير من كلّ الجوانب في انتظار صناعة نجم جديد أو استقدامه من عالم آخر ليعيد بناء فريق المتعة والانتصارات كما كان في عهد ميسي وقبل ميسي.
حتى الموسم الأخير لميسي لن يكون كسابقيه بعد كلّ الضجة التي أثيرت حول رحيله أو عدمه، ليبقى الأمل متوقفاً على التجديد أو عدمه، أو على الأقل الرحيل بطريقة تليق بمقام ميسي و”البرسا” وعشاقهما الذين تنفسوا الصعداء بقرار نجمهم مواصلة العلاقة الفريدة من نوعها بين لاعب غير عادي وفريق ليس ككل الفرق حتى عندما يدخل في أزمة.