بعد الدعوة المنتظرة التي وجهها الخميس الماضي ديديه ديشان للاعب الفرانكو جزائري المتألق حسام عوار للالتحاق بالمنتخب الفرنسي، تهاطلت التعاليق وردود الفعل المتفهمة، المستنكرة و المتسائلة عن سبب تضييع المنتخب الجزائري للاعب واعد من أصول جزائرية أبا عن جد، ولد في فرنسا بحكم هجرة والديه في تسعينيات القرن الماضي، تعلم أبجديات الكرة في ليون وسط جالية جزائرية كبيرة وصنع اسما جعله نجما ساطعا في سماء الكرة الفرنسية والأوروبية، لعب في كل الفئات السنية للمنتخبات الفرنسية، قبل أن يطرق رسميا أبواب المنتخب الأول كما كان متوقعا منذ مدة في انتظار الالتحاق بأحد أكبر الأندية الأوروبية خلال الأيام المقبلة.
قد يكون الجواب على السؤال بسيطا ونقول بأنه تلقى دعوة يحلم بها كل لاعب مغترب فاستجاب لها، ونقول بأنه خضع لضغوط رئيس نادي ليون جون ميشال أولاس الذي فعل نفس الشيء مع نبيل فقير سابقا، أو نقول بأنه شاب فرانكو جزائري يحلم بتكرار ما فعله زيدان مع منتخب فرنسا، فكان الخيار رياضيا بحتا لا يرجح كفة بلد المولد على بلد الآباء والأجداد، وربما نقول أيضا بأن الاتحاد الجزائري لم يقم بدوره مع اللاعب وأسرته مثلما كان يفعل قديما عندما استقطب عددا من مزدوجي الجنسية، لكن البعض يعتقد بأن حسام عوار لم يختر اللعب لفرنسا على حساب الجزائر، بل المنتخب الفرنسي هو الذي اختاره ليحمل ألوانه، ويقبل هو بذلك مخيراً كان أم مسيراً، مثل الكثير من مزدوجي الجنسية الذين ينشطون في الأندية الفرنسية.
مهما كانت الأسباب والدوافع المهم أن حسام عوار استجاب للنداء وعبر عن فخره وسعادته وهو الذي حمل ألوان كل منتخبات الشباب الفرنسية، ما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الكروية الجماهيرية في الجزائر التي عبرت في غالبيتها عن سخطها بعد إعلان قائمة المنتخب الفرنسي وراحت تتهكم على اللاعب وتصفه بكل النعوت مثلما فعلت مع نبيل فقير من قبل، في وقت لم نسمع عن فرنسيين اتهموا من اختاروا اللعب للجزائر بأنهم خونة للبلد الذي منحهم إمكانيات التألق والتميز عبر التاريخ. البعض الآخر عبر عن غضبه على الاتحاد الجزائري لكرة القدم الذي لم يتمكن في نظرهم من إقناع اللاعب بالالتحاق بالمنتخب الجزائري رغم تألقه، ولم يتمكن من استقدام أي لاعب مزدوج الجنسية منذ سنوات.
البعض الآخر احترم خيار اللاعب واعتبره أمرا شخصيا يدخل في نطاق حريته الخاصة، واعتبروه بمثابة رد للجميل لبلد احتضنه وعلمه ممارسة الكرة، منحه فرصة الاحتراف، والشهرة والنجومية والمال، في وقت لم تمنحه الجزائر سوى جواز سفر بحكم أصوله، وبالتالي فإن الأمر صار تحصيل حاصل، يحلم به أي لاعب أفريقي من مزدوجي الجنسية الذي عاشوا ويلات الفقر والحرمان مع عائلاتهم في أوطانهم وفي غربتهم، قبل أن يندمجوا في منظومة اجتماعية فرضت عليهم بذل الجهد المضاعف لأجل إثبات الذات ودفعت بأبنائهم إلى الانتقام من تلك الحياة الصعبة التي تحملوا وزرها رغما عنهم.موقف
ردود الفعل لم تقتصر على التهكم أو احترام الخيار، بل راحت تتساءل لماذا لم تعد الجزائر في الفترة الأخيرة قادرة على إقناع مزدوجي الجنسية على الالتحاق بالمنتخبات الجزائرية لكل الأصناف في وقت تمكن المغرب مثلا في الفترة الأخيرة من استقطاب عدد كبير من الشبان بما في ذلك من هم من أب جزائري أو أم جزائرية، و تساءلت جهات أخرى لماذا لم تعد الجزائر تنجب لاعبين متميزين تغنيهم عن الاعتماد كلية على أبناء المهاجرين ومزدوجي الجنسية الذين يخول لهم القانون اختيار الهوية الرياضية التي تروق لهم لسبب أو لآخر؟
مع كامل الاحترام لمشاعر عشاق المنتخب الجزائري الذين تحكمهم العاطفة، فإن السؤال الأكبر والأهم الذي يطرح على من ينتقدون خيار اللاعب حسام عوار، فهو كيف تتمنون وتتوقعون انضمام لاعب مغترب في وقت يتهكم بعض الإعلاميين والمحللين على اللاعبين مزدوجي الجنسية ويشككون في ولائهم ووطنيتهم عندما يخفق المنتخب، كلنا يتذكر بيان العار الذي اشترط فيه الاتحاد الجزائري على اللاعبين المغتربين التحلي بالروح الوطنية كشرط للالتحاق بالمنتخب، وكلنا يذكر حملات التهكم التي تعرض لها مبولحي وماندي وغلام وبن طالب وفيغولي وقديورة وحتى رياض محرز.
الحياة في الجزائر لن تتوقف بسبب هذا الخيار الذي لا يضر الجزائر، وليس فيه خيانة ولا تفضيلا لفرنسا على الجزائر، لكن يجب أن نقر بأن جنسية اللاعب تزن في السوق، وقيمة اللاعب الذي يحمل الجنسية الفرنسية أكبر من لاعب يحمل الجنسية الجزائرية، حتى ولو كان رياض محرز أو حسام عوار الذي سترتفع أسهمه بعد انضمامه للمنتخب الفرنسي.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 29 أغسطس