بن ناصر في الريال، إسماعيل في السيتي، الجزائري في “البي أس جي”، وربما سيرسل بعد أيام إلى البارسا والبايرن وليفربول مقابل أكثر من 50 مليون يورو كما يشاع في مختلف وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الأوروبية بخصوص أفضل لاعب في آخر كأس أفريقيا للأمم توج فيها باللقب مع منتخب بلاده، ما جعله يكبر ويتطور في ظرف وجيز، لينضم إلى الميلان ويتألق في أول موسم، ويصبح ركيزة أساسية وسط منافسة كبيرة مع نجوم يكبرونه سنا وخبرة وتجربة، لكنه صار حديث الفنيين في إيطاليا وفي أوساط الأندية الأوروبية الكبيرة التي ترى فيه جوهرة نادرة في المركز الذي يلعب فيه كوسط ميدان دفاعي شرس وعنيد، يتحول إلى صانع لعب بدون أية عقدة وكأنه يلعب في المستوى العالي منذ سنوات.
كل شيء بدأ من أخبار تحدثت عن مفاوضات الإيطالي ليوناردو المدير الرياضي لنادي باريس سان جيرمان مع إدارة فريقه السابق ميلان من أجل الاستفادة من جوهرة النادي وإحدى أفضل المواهب الصاعدة في منصب وسط ميدان دفاعي، لكن ليوناردو اكتشف أن الشرط الجزائي لمغادرة اللاعب لا يقل عن 50 مليون يورو في نهاية الموسم القادم صيف 2021 وليس الآن، إلا إذا كان المقابل المطلوب يسيل لعاب إدارة الميلان، ويدفعها إلى التنازل عن بن ناصر لباريس سان جيرمان، خاصة إذا فشل في استقدام وسط ميدان لاتسيو روما الصربي ميلينكوفيش الذي يريده الفريق الباريسي منذ مدة مقابل 60 مليون يورو، بينما يطالب فريق العاصمة روما 80 مليون يورو.
الضغط ازداد على باريس سان جيرمان منذ دخل الريال على الخط وتواصل زيدان مع بن ناصر من أجل استقدامه رغم تجديد عقد البرازيلي كاسيميرو ووجود طوني كروس وفالفيردي ومودريتش، وازداد الضغط أكثر مع اهتمام غوارديولا والمان سيتي بخدمات اللاعب الدولي الجزائري باعتباره واحدا من أفضل اللاعبين في ذات المنصب، خاصة أن سنه تسمح له باللعب لعشر سنوات في المستوى العالي، وسيكون مكسبا كبيرا لأي فريق يستفيد من خدماته، في ظل نقص أمثاله في السوق الكروية وصغر سنه وخبرته التي تراكمت في فرنسا وإنكلترا وإيطاليا والمنتخب الجزائري في وقت قصير جدا.
للعلم فإن إسماعيل بن ناصر انتقل من دوري الدرجة الثانية الفرنسي إلى أرسنال عام 2015 وعمره 17 عاما، إذ تألّق في فرق أقل من 18 وأقل من 21 سنة، ولم يلعب مع الفريق الأول تحت قيادة أرسين فينغر سوى مباراة واحدة في كأس الرابطة، ليعود بعدها إلى نادي تور الفرنسي سنة 2017 على سبيل الإعارة ثم يكتشف الدوري الايطالي مع نادي امبولي في الدرجة الثانية الذي صعد معه إلى الدرجة الأولى وأدى موسما رائعا سمح له بالانضمام إلى الميلان في الموسم الجاري لمدة أربعة مواسم، بعدما تألق مع منتخب بلاده في نهائيات كأس أمم أفريقيا التي توج فيها بلقبي بطل أفريقيا وأفضل لاعب في البطولة.
كل شيء حدث بسرعة في مشوار اللاعب الذي ينصحه البعض بالبقاء على الأقل لموسم آخر في الميلان حتى يكبر أكثر وينضج فنيا وبدنيا وتكتيكيا في دوري صعب وفي نادٍ يمرّ بفترة صعبة أفضل من الانتقال إلى الريال والسيتي أو حتى “البي أس جي” ويجد نفسه في كرسي الاحتياط لفترة أخرى في عز توهجه وتطوره وتحسن أدائه، خاصة أنه يلقى الثناء والتشجيع الكبير من مدربه وزملائه في الفريق، في وقت يعتقد البعض الآخر أن فرصة اللعب في مستوى أعلى قد لا تتكرر رغم المنافسة التي سيجدها مع كاسيميرو في الريال ورودريغو في السيتي وفيراتي في الباريسي.
المستفيد من السيناريو الحاصل هو اللاعب إسماعيل بن ناصر، والمستفيد الأكبر هو ناديه الذي استثمر فيه من كل الجوانب الفنية والتقنية والمادية لدرجة فاق سعره في السوق 50 مليون يورو، لكن كل شيء يبقى متوقفاً على اتخاذ القرار الصائب في الوقت الملائم من اللاعب حتى لا يذهب ضحية نجوم آخرين في فرق كبيرة، على غرار الكثير من المواهب التي لم تحسن اختيار التوقيت المناسب للرحيل عن نواديها، لكن الخاسر الأكبر في موضوع بن ناصر يبقى نادي أرسنال الذي لم يحافظ على النجم الجزائري، وتخلى عنه في وقت كان يمكن أن يستثمر فيه ويحافظ عليه.
نجاح اللاعب في زمن الكرة الحديثة، يستند إلى المهارة والجهد وقليل من الحظ، لكن يعتمد في الأساس على استغلال الفرصة حين تتاح، واتخاذ القرار اللازم في الوقت المناسب والمكان الملائم حتى يكون التوفيق حليف بن ناصر وأمثال بن ناصر الذين لا يتكررون كل وقت.
حفيظ دراجي
العربي الجديد 13 يونيو 2020