فضائح الاتحاد الجزائري لكرة القدم تتوالى وتتكدس لتسفر عن رحيل قريب صار يتمناه هواة الكرة في الجزائر، ويتمناه أعضاء المكتب ذاتهم بأقل الأضرار، ومن دون فضائح أخرى ومتابعات قضائية، خاصة بعدما رفعت وزارة الشباب والرياضة شكوى للنائب العام بخصوص التسجيل الصوتي المسرب الأسبوع الماضي، بين المدير العام لنادي وفاق سطيف ووكيل لاعبين مقرب من الرئيس خيرالدين زتشي، والذي يتضمن نوايا صريحة لترتيب مباريات الدوري المحلي، في وقت تتحدث مصادرنا عن تسجيل صوتي أخر سيكشف عنه لاحقا، يورط شخصيات في المكتب الفيدرالي ومكتب الرابطة الوطنية ورؤساء أندية ووكلاء لاعبين متورطين في شبهات فساد تتعلق أيضا بصفقات انتقالات اللاعبين الجزائريين في الداخل والخارج مقابل أموال لم تدخل لحسابات الأندية في البنوك الجزائرية، بل تم تحويلها الى حسابات خاصة.
الجميل في الأمر أن كل الفاعلين نددوا بالحادثة، لكن الغريب أن الكل راح يتوعد بالعقاب وفضح المستور، وكأن المسؤولية تقع على طرف جاء من كوكب آخر، علما أن الجميع متورط أو على الأقل يتحمل مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة في هذا الذي يحدث، بما في ذلك الاتحاد والرابطة واللاعبون والمدربون والمسيرون، وكل النشطاء في عالم كرة القدم الجزائرية، خاصة بعض الاعلاميين المتواطئين في عمليات البيع والشراء والرشوة والفساد المتفشية. الاتحاد الجزائري اكتفى ببيان استنكار، ووعد باعادة بعث لجنة الأخلاقيات، بينما لجأت الرابطة الوطنية المحترفة الى الاستماع لأقوال المعنيين بالتسجيل المسرب، لكن الوزارة الوصية التي لم تعد تثق في الهيئات الرياضية، أنقذت الموقف برفع دعوى قضائية ضد مجهول والتحقيق في القضية لكشف ملابساتها.
التحقيقات الأولية كشفت أيضا تورط المعني بتسريب المكالمة الهاتفية، ووكيل اللاعبين المقرب من رئيس الاتحاد في تزوير عقود اللاعبين والحصول على رشاوي، ما سيورط عديد الأطراف في الرابطة والاتحاد ورؤساء الأندية، ويعجل برحيل المكتب الفيدرالي الحالي قبل عام من نهاية عهدته، خاصة بعد سلسلة الفضائح التي طفت الى السطح في الفترة الأخيرة، كان أبرزها تسريب رسالة الفيفا التي تلزم الاتحاد الجزائري بدفع أكثر من مليون يورو كتعويضات للمدرب السابق للخضر الاسباني لوكاس ألكاراز اثر فسخ عقده من طرف واحد، حيث تبين أن اللجوء الى محكمة التحكيم الرياضي لم يغير في الحكم الصادر عن لجنة المنازعات في شهر سبتمبر/ايلول من السنة الماضية، وتأكد أن الاتحاد الجزائري سيدفع التعويضات كاملة.
مسلسل الفضائح مع الفيفا تواصلت حلقاته برفض الشكوى التي رفعها الاتحاد الجزائري ضد الاتحاد التونسي لكرة القدم على خلفية اعتماده قانونا يعتبر لاعبي اتحادات شمال افريقيا محليين وليسوا أجانب استنادا لموافقة رؤساء الهيئة بالسماح للاعبي المنطقة بالتنقل الحر بين بلدان مصر والجزائر وتونس والمغرب وليبيا، حيث اعتبر الفيفا أن القضية داخلية تخص الاتحادات ذاتها ولا تتنافى مع لوائح الاتحاد الدولي التي لا تمنع تنقل اللاعبين. يأتي هذا بعد تصريح رئيس الاتحاد التونسي السيد وديع الجريء الذي كشف ان رئيس الاتحاد الجزائري وقع فعلا على محضر الاجتماع الذي أوصى بحرية تنقل اللاعبين في اتحاد شمال افريقيا ووافق على القرار في 2018، بدون العودة الى الجمعية العمومية ولا الى السلطات العمومية الجزائرية.
الصحافة الجزائرية كشفت بالموازاة مع ذلك عن فضيحة العقد المبرم بين الاتحاد الجزائري وأحد فروع شركة “أديداس” للعتاد الرياضي في فرنسا، والذي تم فسخه بعدما فشل الطرف الثاني في الوفاء بالتزاماته ليلجأ الاتحاد الجزائري الى وسيط آخر بعدما كان رئيس الاتحاد الجزائري يدعي بأنه وقع عقدا مع الشركة الأم، علما أن الجزائر تقع في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط التابعة لفرع شركة “أديداس” في دبي المخولة جغرافيا بالتعامل مع الجزائر وليس الشركة الرئيسية في فرنسا.
يحدث كل هذا في وقت تراجعت فيه مداخيل الهيئة الكروية الجزائرية من ايرادات حقوق البث التلفزيوني وعمليات الاشهار والتمويل، حيث لم يدفع التلفزيون العمومي مستحقات الاتحاد الجزائري منذ موسمين، ولم تدفع شركة “موبيليس” للهاتف النقال منذ ثلاثة أعوام مستحقات عقود الاشهار المقدرة بأكثر من 800 مليار سنتيم، مايعادل 6 ملايين دولار. في المقابل ارتفع حجم الانفاق الى مستويات لم يسبق لها مثيل، خاصة مع مشاريع انجاز مراكز التكوين التي لم تر النور الى الأن، وستكون محورا للجان تفتيش ورقابة من طرف وزارة الشباب والرياضة التي باشرت عملها بمحاربة الفساد الذي ينخر جسد الكرة الجزائرية بدعم من منظومة غير دستورية كانت تنشط خارج مؤسسات الجمهورية، تعين الوزراء والسفراء والمدراء وحتى رؤساء الاتحادات الرياضية، فهل حان موعد الحساب فعلا بعد سنوات من اللاعقاب؟
حفيظ دراجي
القدس العربي 28 مايو 2020