رغم التشابه في الوضع الصحي والتقارب في أعداد الضحايا والمصابين بفيروس كورونا في أوروبا بالخصوص، إلا أن الاجراءات المتخذة لحد الآن على مستوى الدوريات الخمسة الكبرى تبقى متباينة، تتراوح بين الالغاء والاستئناف والتأجيل المتكرر، وبين تمديد وتخفيض اجراءات الحظر والحجر كما الحال في فرنسا التي قررت ايقاف منافسات الدوري، وألمانيا التي قررت الاستئناف بداية من الأسبوع المقبل، وايطاليا التي تتوجه نحو تخفيف اجراءات الحجر، مقابل استمرار الترقب في انكلترا واسبانيا على أمل العودة الى أجواء المنافسات بداية يونيو/حزيران، وسط أرقام مهولة في عدد الوفيات بلغت 155 ألف حالة من أصل 276 ألف حالة وفاة في العالم الى غاية اليوم.
قرار الحكومة الفرنسية بالغاء الدوري بالموازاة مع تخفيض اجراءات الحظر والحجر ابتداء من الحادي عشر من مايو/ايار الجاري كان متناقضا في نظر البعض، ومتسرعا في نظر البعض الآخر، لم يمنح الفرصة والوقت لاستكمال المنافسة، خاصة بعد قرار الألمان استئناف مباريات الدوري الألماني بداية الأسبوع المقبل من دون حضور جماهيري، ما وضع الفرنسيين في مأزق، أدى الى ارتفاع أصوات في أوساط الكرة تدعو الى التراجع عن قرار الإلغاء خاصة من طرف أندية مؤخرة الترتيب التي تقرر نزولها الى الدرجة الدنيا، وكذا الأندية التي وجدت نفسها خارج المشاركة في المسابقات الأوروبية الموسم المقبل وعلى رأسها نادي ليون.
قرار استئناف الدوري الألماني لم يسلم من جهته من الانتقادات حتى في أوساط اللاعبين الذين اعتبروه متسرعا وسابقا لأوانه، رغم كل الاجراءات الوقائية المتخذة في بلد بلغ فيه عدد الوفيات 7400 حالة، وهي أدنى نسبة ضمن بلدان الدوريات الخمس الكبرى التي بلغ فيها المعدل 30 ألفا، أكثرها في انكلترا التي قررت فيها الحكومة السماح باستئناف النشاطات الرياضية ابتداء من 1 يونيو في اشارة الى عودة الدوري الانكليزي قريبا بدون حضور جماهيري بعد تخفيف اجراءات الحظر. الرابطة المحترفة الأولى عقدت جمعية عمومية الاثنين الماضي للموافقة على تفاصيل مشروع استكمال 92 مباراة متبقية لانهاء الموسم في نهاية يوليو/تموز على ملاعب محدودة وضمن اجراءات وقائية صارمة تلزم الأندية باللعب في ملاعب دون غيرها.
الحكومة البريطانية تعتبر عودة النشاط الكروي عاملا مهما لاعادة الحياة والثقة في نفوس الانكليز واعادة تحريك النشاط الاقتصادي المرافق، وهو نفس التوجه الذي ذهبت اليه الحكومة الاسبانية التي سمحت باستئناف التدريبات الجماعية ابتداء من الخامس والعشرين من الشهر الجاري، على أمل استئناف ما تبقى من مباريات الدوري في الثاني عشر من شهر يونيو تحت ضغط بعض الأندية المحترفة التي تعرضت لخسائر مادية يصعب تداركها بسرعة، ويصعب على الحكومة الاسبانية تعويضها، لذلك لجأت الى اتخاذ قرار الاستئناف رغم خطورة الوضع الذي أودى بحياة 27 ألف اسباني لحد الآن.
في ايطاليا، لا يزال اتحاد الكرة يضغط على الحكومة من أجل الموافقة على الاستئناف، حيث لجأت الرابطة المحترفة والأندية الى توفير كل الظروف الملائمة لاستئناف التدريبات الجماعية، خاصة بعد رفض مالكي حقوق البث التلفزيوني دفع الشطر الثالث من مستحقات الأندية ما لم يستأنف الدوري. وزير الرياضة أكد استحالة تحديد موعد للعودة في ثاني بلد من حيث عدد الوفيات بأكثر من 30 ألف حالة بدون تطمينات من وزارة الصحة والمجلس الطبي الايطالي، الذي أقر اجراءات وقائية صارمة مرافقة لعودة التدريبات ثم المباريات من دون جمهور تقضي بفرض حجر على اللاعبين لمدة أسبوعين من تاريخ استئناف التدريبات الجماعية.
الاتحاد الأوروبي من جهته، لا يزال يحفز الاتحادات على الاستئناف بعدما مدد سابقا موعد نهاية الموسم الى أواخر أغسطس عندما حدد مبدئيا التاسع والعشرين منه موعدا لاجراء نهائي دوري الأبطال، وشهر أكتوبر/تشرين الأول كموعد لانطلاق المنافسة الجديدة، مع امكانية الغاء مباريات الدور التمهيدي للمسابقتين الأوربيتين للموسم المقبل، بسبب كثافة الرزنامة وضيق الوقت، لكن كل شيء يبقى متوقفا على مدى نجاح الألمان في عودتهم التي ستكون سلاحا ذا حدين، قد تشجع بقية الدوريات على الاستئناف، أو تثنيهم عن ذلك وتحبط ما تبقى من معنويات في نفوس الناس الذين يعتبرون عودة النشاط الكروي عاملا معنويا مهما ومؤشرا على بداية عودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ومن ثم في بقية أنحاء العالم التي تبقى تترقب.
حفيظ دراجي
القدس العربي 15 مايو 2020