رغم التفاؤل الكبير الذي أبداه الاتحاد الأوربي لكرة القدم في اجتماعه مع الاتحادات المحلية بتمسكه باستئناف الدوريات الأوروبية في منتصف مايو/آيار، أو حتى منتصف يونيو/حزيران، وإنهاء الموسم في أغسطس/آب، وكذا استئناف دوري الأبطال في يونيو وأغسطس، الا أن الوضع الصحي الراهن مع سرعة وقوة تفشي عدوى فيروس كورونا يجعل الرؤية المستقبلية غامضة، ويفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما في ذلك امكانية توقيف الدوريات كليا، ثم الغائها أو تأجيلها الى موعد غير محدد في سابقة أولى من نوعها لم تحدث حتى أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي توقف فيها النشاط الكروي جزئيا في أوروبا وليس كليا كما يحدث اليوم في كل أنحاء العالم.
الاتحاد الأوروبي أعلن مبدئيا تأجيل كل مسابقاته المقررة هذا الصيف، و تمديد الموسم الجاري الى ما بعد 31 يوليو/تموز، ما يقتضي تمديد العقود الحالية للاعبين التي تنتهي عادة مع نهاية يونيو كاجراء أولي، ويقتضي تأجيل انطلاقة الموسم المقبل الى موعد غير محدد، سيؤدي لا محالة إلى ارتباك كبير في ترتيب روزنامة منافساته ومبارياته التي ستزيدها تعقيدا منافسات الكؤوس والبطولات القارية والدولية مثل تصفيات كأس العالم 2022 المقررة انطلاقتها شهر سبتمبر/ايلول المقبل في كل القارات، ويزيدها تعقيدا البطولات التي تم تأجيلها الى صيف 2021، والتي تقتضي انهاء الدوريات في منتصف مايو من نفس السنة.
الاتحادات المحلية الاوروبية أيدت تدابير الاتحاد الأوروبي وأبدت بدورها تمسكها بالأمل في العودة الى النشاط الكروي، إدراكا منها بأن توقيف الدوريات وتأجيل المسابقات الكبرى بسبب تمدد الفيروس سيدخل عالم الكرة في أزمة برمجة لم يسبق لها مثيل، تقتضي جهدا كبيرا لرسم روزنامة توافقية جديدة، تكون لها تداعيات مالية كبيرة، خاصة أن الأمر يتعلق بواحدة من أكبر خمس صناعات في العالم، تفوق ايراداتها صناعة الدواء، وتعتبر مصدر دخل أكثر من مليار نسمة من أصل سبع مليارات نسمة حول العالم، حيث تبلغ قيمة المعاملات المالية الرياضية في البرازيل مثلا، ما قيمته 17 مليار دولار سنويا، تساهم بما قيمته 5% من قيمة الدخل القومي، بينما تبلغ قيمة التداولات في كل قطاع الرياضة في الولايات المتحدة ما يفوق 200 مليار دولار، وهو ضعفا ما يمثله انتاج السيارات وأضعاف مداخيل صناعة السينما.
في أوروبا التوقعات تتحدث عن خسائر تفوق أربعة مليارات دولار في الدوريات الخمسة الكبرى، خاصة بالنسبة للأندية الكبيرة التي تفوق مداخيلها السنوية 500 مليون دولار مثل الريال والبارسا وماتشستر يونايتد من ايرادات الاشهار وعقود الرعاية وحقوق البث التلفزيوني وعملية بيع التذاكر وكذا عائدات المبيعات التجارية للأندية وكل استثماراتها في سوق الكرة العالمية، التي توقفت فجأة بسبب نفشي فيروس كورونا لتخلف خسائر كبيرة لن يعوضها تخفيض رواتب اللاعبين الذي لجأت اليه الاندية الكبرى خلال فترة التوقف، ولن يعوضها ركود سوق الانتقالات الصيفي الذي سيشهد تراجعا كبيرا.
في انكلترا مثلا، يتوقع أن تطالب القنوات التلفزيونية وشركات الرعاية الكبرى بتعويضات تصل مليار يورو تدفعها رابطة الأندية المحترفة، وخسائر أخرى تفوق مليار يورو لأندية البريميرليغ بسبب تراجع مداخيل حقوق البث التلفزيوني وبيع التذاكر والرعاية والاشهار، ما ينعكس على اقتصاد الكرة الأوروبية وعلى كل موازين القوى الحالية رغم تخفيض رواتب اللاعبين بنسبة تفوق 50% في بعض الاندية خلال فترة التوقف.
بحسب آخر تقرير صادر عن المركز الدولي للدراسات الرياضية، فان النموذج الاقتصادي الكروي الحالي سيتغير بعد الأزمة الصحية، و سوق التحويلات مثلا سيفقد 28% من قيمته في الدوريات الخمسة الكبرى وينخفض من 32,7 الى 23,4 مليار دولار، حيث ستنخفض قيمة بول بوغبا مثلا من 65 الى 35 مليون دولار في السوق الذي سيشهد ركودا غير مسبوق، في حين ستستفيد الاندية الغنية من الوضع لاقتناء مزيد من النجوم وتعميق الفوارق بينها وبين الأندية الأخرى التي ستكون مضطرة للتخلي عن لاعبيها مقابل الحفاظ على توازناتها المالية والوفاء بالتزاماتها.
كل المعطيات تشير الى تغييرات عميقة ستشهدها الكرة الاوروبية والعالمية بسبب مجرد فيروس لم يكن في الحسبان، لم يكتف بحصد الأرواح وتوقيف الحياة مثلما تفعل الحروب والكوارث، بل يعد بقلب كل الموازين في كل المجالات، لنستفيق بعد فترة على عالم أخر لا يمكن التكهن بمعالمه ما لم تعد الحياة الى مجاريها ويحصي العالم خسائره البشرية والمادية.
حفيظ دراجي
القدس العربي 2 أبريل 2020