يصعب الحديث عن كرة القدم في الظروف الحالية، مثلما يصعب الحديث عن كل نشاط رياضي، ثقافي واجتماعي بسبب هاجس فيروس كورونا والإجراءات الوقائية المتبعة في كل أنحاء العالم، لكن الحياة يجب ان تستمر ويستمر معها الأمل في غد أفضل من دون خوف من الفيروس، تدب فيه الحياة في الشوارع والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمرافق العمومية، وكذا ملاعب كرة القدم ومدرجاتها التي صارت تسكنها الأشباح منذ بداية الشهر بعدما توقفت المباريات والتزم الناس بالبقاء في بيوتهم. الواجب المهني يفرض علينا مواصلة اعلام الناس وتثقيفهم وتوعيتهم واطلاعهم على كل صغيرة وكبيرة مرتبطة بالفيروس والكرة، في ظل تضارب الأخبار وانتشار الشائعات والتخمينات بخصوص مستقبل الدوريات والمسابقات الدولية المقررة في القريب العاجل.
تسارع انتشار الفيروس قابله تسارع في الأحداث وتوالي القرارات من أعلى الهيئات الكروية التي قررت تأجيل بطولة كأس أمم أوروبا، وكأس كوبا أمريكا الى صيف 2021، ما يؤكد الحرص على استئناف واستكمال الدوريات الأوربية حتى ولو امتدت الى غاية نهاية شهر يونيو لاعتبارات رياضية ومادية، وحتى إنسانية تهدف الى تخفيف وطأة وأثار توقيف النشاط الكروي على معنويات الناس التي ترى في كرة القدم مصدرا للمتعة والبهجة. الاتحاد الأوروبي قام بتعليق منافستي دوري الأبطال والدوري الأوروبي بدون الغائهما، بل جدد التأكيد رسميا على موعدي المباراتين النهائيتين المقررتين نهاية شهر مايو المقبل، وفسح المجال أمام الاتحادات المحلية لترك أبواب عودة الدوريات مفتوحة حتى ولو مع نهاية شهر أبريل الى غاية نهاية شهر يونيو، لأن تداعيات ايقافها ستكون وخيمة من كل الجوانب وعلى جميع الفاعلين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي طالب الاتحادات المحلية بتعويضات تقدر بـ300 مليون يورو عن تأجيل اليورو لمصلحة استئناف الدوريات.
تأجيل اليورو وكوبا أمريكا الى صيف 2021 سيسمح باستئناف الدوريات، لكن بالمقابل سيؤجل أيضا بطولة كأس العالم للأندية التي استحدثتها الفيفا بصيغتها الجديدة الى موعد آخر بعدما كانت مقررة في نسختها الأولى في صيف السنة المقبلة، ما يدل على قوة الاتحادين القاريين في أوروبا وأمريكا الجنوبية، مقارنة بالاتحاد الافريقي الذي تراجعت قوته ونفوذه منذ مجيء أحمد أحمد لدرجة جعلت رئيس الفيفا هو الذي يقرر موعد تنظيم نهائيات كأس أمم افريقيا التي ستجري بداية السنة في الكاميرون عوض فترة الصيف كما كان الحال مع الدورة الماضية التي احتضنتها مصر. الكاف كانت مضطرة في ظل المستجدات الى تأجيل بطولة كأس افريقيا للمحليين التي كانت مقررة من 4 الى 25 أبريل، وكذا تعليق مباريات نصف نهائي ونهائي دوري الأبطال وكأس الكاف الى موعد سيحدد لاحقا.
كل المباريات التصفوية لمونديال قطر في كل القارات تم تعليقها الى اشعار آخر، مما سيربك الروزنامة الدولية ويزيد من ضغط المباريات على اللاعبين والأندية خلال الفترة القادمة التي ستكون صعبة على الجميع بسبب توقف التدريبات الجماعية للأندية وتوقف المنافسة، الارتباك سيزداد أكثر اذا تم تأجيل الألعاب الأولمبية الصيفية رغم أن اللجنة الأولمبية لم تتخذ قرار التأجيل في اجتماع مكتبها التنفيذي الأسبوع الماضي، وأبدت تمسكها بأمل تنظيمها في موعدها مثلما يتمناه اليابان البلد المنظم الذي يريد أن يجعل من الأولمبياد وسيلة لإعادة الطمأنينة لنفوس البشر مثلما يفعل كل مرة في تعامله مع الكوارث الطبيعية والهزات الأرضية والزلازل التي لم تثن شعبها عن الاستمرار في الحياة والابداع فيها.
كل المؤشرات توحي باستئناف الدوريات وعودة الحياة الى الملاعب ومدرجاتها في كل أنحاء العالم كوسيلة أساسية لتخفيف الضغوطات النفسية عن الناس الذين تقلصت نشاطاتهم وفضاءات الترويح عن النفوس لديهم، في غياب الفرجة الكروية التي نحن اليها والى متعتها التي أدركنا ضرورتها وحاجتنا اليها في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البشرية المدعوة من المنظمات والحكومات لالتزام منازلها وبيوتها على أمل العودة في أسرع وقت ممكن الى ممارسة طقوسها ونشاطاتها المعتادة.
جفيظ دراجي
القدس العربي 19 مارس 2020